Thursday 10th June,200411578العددالخميس 22 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

فيض الضمير فيض الضمير
زوجك الثاني وأولادك من الأول..!!
د. محمد أبو بكر حميد

من حق المرأة المطلقة أو الأرملة أن تتزوج، وهو حق أجازه لها الله من فوق سبع سماوات، وليس لأحد أن يمنعها منه كائناً من كان مهما تعددت الأسباب. ولكن على المطلقة أو الأرملة وهي تفكر في ممارسة هذا الحق أن لا تضيع حقوقا لأبنائها عليها، خاصة إذا كان هؤلاء الأبناء لا يزالون قصرا يحتاجون إلى حنانها واهتمامها.
والحقيقة أن الأبناء يحتاجون حنان الأم واهتمامها حتى لو لم يكونوا قصرا، وحتى لو كانوا في رعاية كاملة شاملة من أبيهم، ويعيشون معه في رغد من العيش. فهذا كله لا يغنيهم أبدا عن حنان الأم. والأمهات اللاتي يبررن انسحابهن من حياة أبناء الزوج الأول والاحتشاد الكامل عاطفيا وحياتيا لصالح الزوج الثاني وأولاده منها بحجة أن أولادها من الزوج الأول في رعاية تامة في بيت أبيهم ويعاملون معاملة حسنة من زوجته ولا ينقصهم شيء وهي مطمئنة عليهم.
يجب أن تفهم هذه الأم - حتى ولو صح ما تقول - أن هؤلاء الأبناء سيظل ينقصم الشيء الكثير، ينقصهم أغلى عاطفة في حياتهم لا يستطيع أن يعوضهم عنها مخلوق غيرها. إذا كان هذا حال الذين يعيشون حياة مستقرة مع آبائهم فكيف يكون حال الأبناء الذين يذوقون الأمرين من قسوة الأب وإهماله وظلم زوجة الأب وشراستها؟!
من أجل بحر الحنان العظيم وينبوع الحب المتدفق من قلب الأم جعل الله لها مكانة مميزة ثلاثة أضعاف مكانة الأب كما جاء في الحديث الشهير عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمك. قال: ثم من؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمك. قال: ثم من؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم أبوك (صحيح البخاري)، ومن أجل هذه المكانة جعل الله (الجنة تحت أقدام الأمهات)
وهذه المنزلة العظيمة التي أنزلها الله الأم وميزها عن الأب تتطلب أداء واجبات أكبر وأكثر نحو الأبناء مما هو مطلوب من الأب، لأن الأب وهذه فطرة الله في خلقه لا يستطيع مهما حاول أن يعطي الأبناء ما يحتاجون إليه من حب وحنان واهتمام ولو أعطاهم مال الدنيا كلها لما استطاع تعويضهم عن حنان الأم.
لهذا أعجب لبعض الأمهات اللاتي يمارسن حقهن الشرعي في الزواج على حساب حقوق الأبناء وعلى حساب واجب الأمومة، وذلك حين تنشغل الأم بالاهتمام بالزوج الجديد وبقضية الإنجاب له لتثبيت (قواعدها) معه ثم الانشغال كلية بأبنائه منها وإظهار الولاء الكامل والمطلق له على حساب أبنائها من زوجها الأول. ثم يزداد انشغالها بحياتها الجديدة ويزداد معه انسحابها من حياة أبنائها من زوجها الأول حتى تتحول في حياتهم إلى مجرد ذكرى أو طائف جميل مر بحياتهم ثم مضى لحال سبيله ولكنهم كلما ذكروه تألموا.
وقد تتزوج المرأة رجلا لا يخاف الله ولا يراعي مشاعر زوجته الجديدة نحو أبنائها من زوجها السابقة فيمنعها من زيارتهم والخروج معهم أو يمتعض من زيارتهم لها ويبدي ضيقة بهم. وهذا ليس من حقه، ليس من حقه حرمان أبناء من أمهم وحرمان أم من ممارسة أمومتها ما دامت هذه لم تقصر في حقه وحق أبنائه منها. والحقيقة أن هذا الزوج إذا كان فعلا يحترم هذه المرأة التي تزوجها وهو يعلم أن لها أبناءً من غيره فإن أقوى وأكبر تعبير عن هذا (الاحترام) يجب أن يكون في إعطائها فرصة التعبير عن (أمومتها) لأولادها من غيره، فالأمومة لا تتجزأ، وليرحم، فإن من (لا يرحم لا يُرحم) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن على الأم أيضا وهي تمارس حقها في الزواج أن تحفظ لأبنائها حقهم من الضياع، فتحترز، وتشترط على الزوج الجديد شروطا تتيح لها ممارسة أمومتها الطبيعية لأبنائها من زوجها السابق بلا ضرر أو إجحاف في حقوق زوجها الحالي حتى إذا ظهر أن هذا الزوج لا يخاف الله في حق أبنائها من غيره أثبت هذا الشرط هذه الحقوق، فلا يستطيع الاحتجاج عليها بشيء، ولا يستطيع إلغاء أمومتها باسم طاعة الزوجة لزوجها فواجب الأمومة حق يجب أن يوصل لأن الله أمر به أن يوصل.
وما أكثر النساء اللاتي ضحين بحقهن الشرعي في الزواج من أجل رعاية أبنائهن والاطمئنان على مستقبلهم عندما رأت أن (الزوج) سيقف عقبة دون ذلك فانتصرت (الأمومة) فيهن على (متعة الحياة) وضربن المثل الأعلى في التضحية والصبر والاحتساب والحب العظيم، إذ لا يوجد حب في الدنيا أعظم من حب الأم لأولادها، ومن ثبت عندها غير ذلك فهي حالة شاذة لا يعتد بها.
وهذا لا يعني على الإطلاق أن الأفضلية لعدم زواج المرأة ذات الأبناء بقدر ما يعني أن تتذكر أثناء انشغالها بالاستعداد لزوجها الثاني فلا تتجاهل ذكر أولادها أمامه بل يجب عليها أن تضع معه على بساط البحث بصراحة ووضوح مسألة علاقتها بأولادها من زوجها الأول بشكل يكفل لها ممارسة أمومتها لهم دون قيود أو مضايقة لتستحق عند الله أولا ثم عند أبنائها أن تكون من الأمهات اللاتي توضع الجنة عند أقدامهن.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved