لقد من الله سبحانه وتعالى على سكان المملكة العربية السعودية بنعمة الأمن والاستقرار منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد قائد وحدتها جلالة المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حيث اختفى التناحر والصراعات القبلية وتدرج الولاء لكيان الوطن الشامل بدلاً من كيان القبيلة، كما تدرجت الخدمات في الجوانب التنموية لتصل في مستواها لمستوى الدول المتقدمة. إن المملكة العربية السعودية كواحدة من دول هذا العالم الذي بلغ عدد دوله أكثر من 190 دولة لم تبقَ منعزلة عما يجري فيه سواء على المستويات الاقتصاددية أو الاجتماعية أو السياسية. وعلى هذا الأساس فالمملكة تتأثر سلباً وإيجاباً بما يطرأ على هذا الجوانب المختلفة من تغيرات سواء في الجانب الاقتصادي أو المزاج السياسي أم التغيرات الاجتماعية. ولعل الركيزة الاقتصادية من أكثر ركائز المنظومة الأمنية حساسية. عندما يحدث تقلبات في الجانب الاقتصادي وتنخفض الأسهم وتنهار البورصات العالمية فمن الصعب أن نقول إن اقتصاد وأسهم المملكة العربية السعودية لن تتأثر ولن يتأثر المساهمون في المؤسسات الاقتصادية. إن كثيراً من المؤسسات الاقتصادية السعودية تعمل ضمن منظومة استثمارية عالمية وبالتالي لن تكون بمنأى عن الخسائر والعكس صحيح. لا شك أن لكل مؤسسة اقتصادية خططاً وإستراتيجيات لإنتاج منتجاتها ولتسويق منتجها وخدماتها ولتطوير إستراتيجياتها ولاختبار توقعاتها. كما أن لكل مؤسسة اقتصادية هيكلاً تنظيمياً هرمي يتعلق بالإدارة في القمة ومديري الوسط ومديري التشغيل والعاملين. ولابد وبالذات في وقتنا الحاضر أن يكون هذا التنظيم مترابطاً بشكل تقني يعتمد على أنظمة وتقنية المعلومات، لكي يتم اتخاذ القرارات بسرعة ونجاح. المؤسسات الاقتصادية لم تعد ترتبط بحدود داخل الدولة الواحدة وإنما تجاوزت ذلك إلى دول وقارات. إن المؤسسات الاقتصادية في أي بلد عندما تتبع الأسلوب العصري في الإدارة والتنظيم وتخلو من التسيب الإداري والفساد المالي واتباع الأسلوب الأمثل في اختيار الموارد البشرية للعمل في هذه المؤسسة فإن اجتياز الأزمات المالية يصبح ممكناً. إن عامة الناس قد تعتقد أن السبب في الأزمات الاقتصادية يعود للقيادات والحكومات وتتجاهل المؤثرات الخارجية أو العلاقات الاقتصادية الخارجية. صحيح قد يكون هناك بعض الحكومات أو القيادات تسهم في كوارث اقتصادية على بلدانها ولكن هذا لا ينسحب على المملكة. ولكن لايعني هذا أن هناك كمالاً في القائمين على المؤسسات الاقتصادية. ومن جانب آخر فإن اقتصاد المملكة لا يخلو من استهداف خارجي يتمثل في جوانب عدة، منها على سبيل المثال سعي الدول الغربية إلى محاولة خفض أسعار البترول إلى درجة كبيرة لا تتنناسب مع اقتصاد المملكة التي تعتمد بشكل كبير على العائدات المالية من أسعار البترول. هناك محاولات لفرض ضرائب الكربون على كل برميل ينتج. هناك عوائق من دول الاتحاد الأوربي تجاه منتجات الصناعات البترولية التي تنتج في المملكة مثل منتجات سابك وغيرها. هناك عراقيل وأحياناً شروط مجحفة لانضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة العالمية. كل هذه جوانب تؤثر على الاقتصاد السعودي سلبياً ولكن لمرحلة مؤقتة يجري خلالها من المفترض تقييم وردود افعال وإجراءات اقتصادية تقوي من الوضع الاقتصادي للمملكة . إن الأمن الاقتصادي في المملكة بحاجة إلى مزيد من الجهود في استثمار الجانب البشري في المملكة العربية السعودية. يتزايد عدد سكان المملكة سنوياً وبشكل كبير، وهذه الزيادة بلا شك تحتاج إلى استيعاب لها في منظومة العمل الاقتصادي الذي يتمثل بشكل أكبر هذه الأيام في القطاع الخاص. إن برنامج الخصخصة بدأ يتسع واتساعه هنا يعني مزيداً من الفرص الوظيفية. لقد بدأت التنمية تتسارع خطاها في المملكة منذ مطلع التسعينات الهجرية واعتمدت بشكل كبير على الكوادر الأجنبية من كل دول العالم بدءاً من العامل البسيط حتى المدير العام للشركة أو المؤسسة. ولم يقتصر ذلك على القطاع الخاص ولكن أيضاً شمل وظائف محددة في القطاع العام في مختلف الوزارات. لقد كان ذلك أمراً طبيعياً في بدايات التنمية التي أعتقد أن المملكة استفادت منها بشكل متميز في كل المجالات. وتتضح هذه الاستفادة عند المقارنة مع دول أخرى شهدت نفس التحولات الاقتصادية ولديها نفس الإمكانات الاقتصادية إلا أن الاستفادة لم تكن بالقدر المطلوب في تلك الدول. إن إدراك حقيقة أن تعزيز منجزات التنمية واستمرارها هو في المشاركة الواسعة لأبناء الوطن يعتبر الجانب الأهم في الأمن الاقتصادي للوطن. ولا شك أن هذا الجانب تم إدراكه من قبل الجهات المعنية في أجهزة الدولة المختلفة. احتاج الأمر إلى التدرج وإصدار التنظيمات والقوانين الخاصة بالسعودة لكي يتمكن القطاع الخاص من المسايرة والتكيف مع التغيير في تولي المهمات الإدارية والمالية والتخطيطية في القطاع الخاص. بدأت السعودة بشكل بطيء وبنسب محددة ولكنها بدأت تتسارع في السنوات الأخيرة. وربما كان هناك بعض التحايل على بعض الضوابط والأنظمة وإيجاد وظائف صورية على الورق وخاصة عند إرساء المناقصات ولكن بدأ الوعي لدى رجال الأعمال يتزايد بأهمية تشغيل الكوادر السعودية. كما أن نوعاً من الصرامة والمراقبة على التنفيذ من الجهة الحكومية المعنية بهذا الشأن عززت من زيادة مشاركة الشباب السعودي في أعمال القطاع الخاص. بدأت المقولة الشائعة بأن الشاب السعودي لا يلتزم بالعمل تتغير تدريجياً وبدأ الفهم يسود بين صاحب العمل والراغب في العمل من الشباب السعودي. طالب القطاع الخاص بقوانين وأنظمة تنظم العلاقة بشكل واضح بين المؤسسة أو الشركة الخاصة والعاملين من السعوديين بحيث يتم حفظ حقول كل من الطرفين. تم إدراك الأهمية الاقتصادية لاستثمار هؤلاء الشباب وأنهم أكثر أمناً وأقل خطورةً في جوانب التحايل المالي الذي ذهب ضحيته العديد من الشركات والأفراد من أناس أجانب عملوا ببعض الشركات وأعطوا الثقة إلى درجة كبيرة تمكن العديد منهم من سرقة أموال وتهريبها والهروب معها إلى الخارج. إن عملية تحويل الأموال للعاملين في المملكة العربية السعودية إلى أهلهم وذويهم تجاوزت ستين مليار سنوياً. إن هذا المبلغ كبير بكل المعايير. وكلما نقص هذا المبلغ المحول كان في مصلحة الوطن لأن المستفيدين منه في داخل الوطن سيزداد. إن المشاركة الواسعة ماضية قدماً حتى تصبح ليست فقط مشاركة واسعة لأبناء الوطن ولكن المأمول أن تصبح في المستقبل القريب هي الكل ويظل العاملون غير السعوديين حالات استثنائية وعند الضرورة. إن هذا الطموح يحتاج إلى مزيد من الدعم الكبير والتخطيط والعمل الجاد من الجهات الحكومية المعنية والقطاع الخاص. إن على الجهات الحكومية المختلفة كل في اختصاصه أن يعمل على دعم هذا التوجه الوطني المهم. الجهات التعليمية ملزمة بتطوير برامجها وخططها التعليمية لكي تكون مخرجاتها التعليمية مهيأة بقوة للمشاركة في سوق العمل، كما أن على الجهات الحكومية المنوطة بالتخطيط أن تحكم خططها وتحدد أهدافها بدقة وأن تكون قابلة للتنفيذ، كما أن على القطاع الخاص أن يشارك وبقوة في تدريب الكوادر السعودية بعد التخرج وأن يُعطَى الشاب السعودي فرصة لإثبات وجوده، على القطاع الخاص ألا ينسى بأن كثيراً من الفنيين والإداريين والعمالة الوافدة على وجه العموم أعطيت فرصة للتكيف والتدريب على الأجهزة المختلفة وعلى الأعمال المختلفة. أليس الشباب السعودي من باب أولى أن يعطى مثل هذه الفرصة؟؟. من واجب القطاع الخاص وبالذات الشركات الكبيرة أن تدرب وأن تبتعث وأن تضع برامج للدورات المختلفة إذا أرادت أن تنخرط وبشكل فعال في منظومة العولمة الاقتصادية. لن ينفع المشاركة في العولمة دون الاستثمار في الشباب السعودي. ستكون المنافسة على أشدها وما لم يكن هناك قدرات بشرية سعودية تخطط وتبتكر وتفاوض وتناقش فإن الأموال السعودية ستذهب إلى شركات عالمية أخرى لديها قدرة تنافسية أعلى وهذا يعني العودة مرة أخرى إلى ذهاب الأموال إلى الخارج ليس بالتحويلات العمالية وإنما عن طريق الشركات المستثمرة. إن الأمن الاقتصادي يتحقق بالثروة البشرية لأي بلد من البلدان فاستثمار الثروة البشرية يقود دائماً إلى تمكين هذه الثروة من خلق الثروات المادية الأخرى في جوانب التعدين والتصنيع والزراعة والاستثمارات المختلفة. إن ذلك لا يعني الابتعاد عن المشاركة الأجنبية في العمليات الاستثمارية ولكن يجب أن يكون ذلك مقصوراً على الاستثمار في رأس المال. والله من وراء القصد.
|