Wednesday 9th June,200411577العددالاربعاء 21 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "منوعـات"

وتاليتها ... وتاليتها ...
أ.د. هند بنت ماجد بن خثيله

حين يعرض القرآن الكريم للصفات التي تتجلى بها الزوجة التي هي الأم في المجتمع نقرأ قوله تعالى : {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا } ، (5) سورة التحريم.
وحين يُسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الأَوْلَى والأحق بالصحبة للأبد يقول عليه السلام : أمك ، ثم أمك ، ثم أمك.
ولا أظن أن أحدا من المسلمين لم يقرأ أو يسمع قوله عليه الصلاة والسلام : (تُنْكَحُ المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ، ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تَرِبَت يداك).
هكذا نشأنا في بيوتنا وتعلمنا في مدارسنا ، ووجهتنا وسائل إعلامنا المختلفة ، عندما يكون الحديث عن الأم ، بل إن كل الأناشيد التي تعلمناها منذ نعومة أظفارنا في شأن الأسرة تبدأ بالأم وتثني بالأب.
بل إن تراثنا الإسلامي كله يمجِّد الأم ويميزها ويرى فيها نواة المجتمع ، وصانعة الأجيال ، ولا أعتقد أنني في حاجة إلى ترديد بيت الشعر المشهور :
الأمُّ مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
كما أنني لا أظنني في حاجة إلى التذكير بالمقولة الشهيرة : أن الأم التي تهز المهد بيمينها ، إنما تهز العالم بيسارها.
لست في حاجة إلى إقناع الإنسان - أي إنسان - بأن الأم هي مصدر الحنان والعطف .. بل هي منبت الخلق ، التي تعطي دون شروط ودون انتظار رد الجميل.
لكن يبدو لنا في عصر العولمة ، في القرن الحادي والعشرين ، في الألفية الثالثة ، في زمن (الشرق الأوسط الكبير) المفصل حسب رغبة مشاغل بوش لخياطة خريطة العالم الجديد ، يبدو لنا أن هذه الأم التي لا يمكن حصر الحديث فيها قد أصبحت (وسيلة إعلانية دعائية هامشية) ، تم سلخها عن كل التعريفات الفكرية والقلبية والعقلية ، واختصرت في مقولة : أقرب الطرق إلى قلب الرجل معدته!. لم يبق الأمر عند هذا الحد ، بل تعداه إلى الأطفال والصغار الذين يفترض فيهم - كما عهدنا - أن يكونوا مجبولين على حب الأم والتعلق والارتباط بها ، والحاجة الماسة إليها ، حتى وإن كانت عرجاء ، لثغاء ، عمياء ، خرساء ، هوجاء إلى آخر كل الصفات التي تنقص من أمر المرء إلا أن يكون أُمَّاً ، حيث تزداد قيمة الأم كلما أحس ابنها أنها في حاجة إليه.
هذه المفاهيم انقلبت رأسا على عقب ، حين يخرج علينا مَن يريد أن يجدد في الأساليب الدعائية ، فيأتي لنا بطفل يجلس بجانب والده في سيارة فارهة ، وبدون مقدمات يطلب من أبيه طلبا صريحاً أن يأتي له بأم ثانية ، لا لأنه في جوع إلى الحنان ، أو ظمأ إلى عاطفة الأم ، لكن لأن أُمَّه لا تستطيع - كما يقول الطفل- أن تطبخ له الدجاج (مثل أم فيصل).
الأرض هي الأم ، والعاطفة هي الأم ، والوطنية هي الأم ، والإنسانية هي الأم ، لكننا نقتل الأم والإنسانية والعاطفة ، حين نختصرها جميعا في طبخة دجاج .. ونغتال الأرض والوطنية التي تقوم على استبدال الأم من أجل طبخة واحدة قد لا تكون دجاجتها سليمة من (السارس)!!.

فاكس2051900


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved