من المعروف أن أهم عناصر الإدارة المحلية، والعمل المحلي، المناطقي (المقاطعات) سابقاً أن يكون هناك استقلال مالي وإداري في ممارسة اختصاصاتها ولذا يؤكد عالم الإدارة المحلية وشيخ العلماء العرب في الإدارة المحلية وإدارة تنمية المناطق الدكتور سليمان الطماوي في كتابه (شرح نظام الإدارة المحلية الجديد) الصادر عن دار الفكر العربي 1961م ص12 التالي: إن اللا مركزية الإدارية تقوم على أركان ثلاثة هي:
أ - الاعتراف بوجود مصالح محلية أو خاصة متميزة إلى أن يقول: (وأن تستقل الهيئات اللا مركزية في ممارسة اختصاصاتها تحت إشراف السلطة المركزية).
ومن الواضح أن اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري بالمملكة تعمل على تطوير الإدارة العامة في القطاع العام، والنهوض بالإدارة المحلية، وتنمية المناطق مواكبة لما تدعو إليه الخطط الخمسية العامة للدولة، التي تنادي بضرورة تحقيق التنمية المتوازنة وتوزيع الخدمات وفرص العمل والإمكانات بين مناطق المملكة ونظراً للتطور التقني ووسائل الاتصال المعاصرة وتوافر الكوادر البشرية المؤمنة بالتجديد والحداثة في الأسلوب الذي يدار به مقود التنمية، ولضرورة أن تنهض إمارات المناطق بنفسها الإدارية والمالية فلا بد من إعطائها كامل الصلاحيات الإدارية والمالية وحرية الاتصال بالقطاع الخاص لكي يتجلَّى دور اللا مركزية الإدارية الذي يعطي الفرصة كاملة لإمارات المناطق لتسيير عجلة التنمية من خلال منظورها الخاص ومصالحها الخاصة، ذلك أن إمارات المناطق أعرف باحتياجاتها ومواطن القصور فيها مثال ذلك.. إمارة المنطقة هي من يقدر احتياج المنطقة هل هو وجود مستشفى أم كلية، حديقة، طرق، اتصالات، مساجد، إنارة مدرسة .. الخ، ذلك من الاحتياجات التنموية!!
وما يحدث الآن أن الإمارة لا تتحكم فيما يخصها من حيث الاحتياجات فإذا ما اعتمدت وزارة المالية مبالغ معينة للطرق، والإمارة لا تحتاج للطرق ولكنها تحتاج إلى كليات أو مستشفيات فإن هذا المبلغ المعتمد للطرق يعود إلى وزارة المالية ولا تستطيع إمارة المنطقة مناقلته أو تحويله لتلبية احتياجات أخرى هي في أمس الحاجة إليها وبالتالي لا تستفيد منه.. وهذا أمر تعاني منه إمارات المناطق، ولا تستطيع الإدارات العامة الممثلة للوزارات في المناطق التنسيق في ذلك ومحاولة القفز على هذه المشكلة ذلك أن وزارة المالية إذا اعتمدت مبالغ للإمارة في خدمة معينة لا تلبي رغبة الإمارة في الاستفادة منها في خدمة أخرى. ولذا يرى المتمرسون في عمل المناطق ضرورة أن تستقل إمارات المناطق مالياً وذلك بإعطائها كل ما لها في ميزانية الدولة من اعتمادات.. لكي تستطيع أن تدير وتدبر ما يخصها للاحتياجات التي تراها مناسبة، فبعض الإمارات في ميزانية عام لا تحتاج لاعتمادات خدمة معينة وبالتالي تستفيد منها في خدمة أخرى لتستفيد المنطقة بكل نصيبها الذي اعتمدته ميزانية الدولة لها ويصبح لدى الإمارة المرونة والشفافية والقدرة على تطوير المنطقة وتشغيل سكانها والنهوض بها وبالتالي تلبية احتياجها بصورة أسرع وأعدل وأكثر توازناً.
ومن ضرورات النهوض بالتنمية المحلية وإعمار المناطق والعودة بسكانها من المدن الكبيرة إلى قراها وهجرها وأريافها إعطاء إمارة المنطقة ومجلس المنطقة والمحافظات والمراكز بفئاتها المجال الحيوي والفرصة والهامش الكافي من التصرف للتعاون مع القطاع الخاص لإحياء المناطق بين القطاع العام والخاص والاستفادة من معطيات المناطق المختلفة الجغرافية، والاقتصادية والثقافية والدينية والتاريخية والسياحية وهكذا.. فالمنطقة الشرقية تختلف إمكاناتها الساحلية السياحية عن منطقة القصيم الزراعية عن مكانة منطقة مكة المكرمة المقدسة عن الرياض الاقتصادية التاريخية الصحراوية عن منطقة عسير الجبلية ومناظرها الطبيعية الخلابة. لكل منطقة إمكانات ينبغي الاستفادة منها وهذا ممكن إذا ما ملكت الإمارة زمام الأمور المالية بالتعاون مع المستثمرين في القطاع الخاص وتكوين هيئات تطوعية شعبية للمواطنين الراغبين في المشاركة الشعبية الأمر الذي يتواكب مع نداء خادم الحرمين الشريفين وتوجه القيادة المحمود نحو تفعيل المشاركة الشعبية بين المواطنين الراغبين في تطوير منطقتهم، كما يحدث في كثير من عالمنا العربي والعالم بأسره.
وأظن أن مجالس المناطق قادرة على إدارة التنمية في مناطقها ذلك أنها الإدارة التي تقوم بتنفيذ الإدارة المحلية وهي في تصوري أهم مقومات الإدارة المحلية سواء أكان المجلس المحلي منتخباً أو معيناً أو بهما معاً وتلكم المهمة من واجبات واختصاصات المجالس المحلية التي يعول عليها كثيراً في إدارة تنمية العمل المناطقي. ومشاركة المواطنين بحضور مجالس المناطق وبثها إعلامياً وتفعيل دور المحافظات والمراكز تجاه تنمية القرى والأرياف والهجر تساعد السلطة المركزية على دفع وتسريع عجلة التنمية وتؤكد الإحساس بالدور الاجتماعي للنهوض بالسهم التنموي العام للدولة.
نحن إذا لم نأخذ بزمام المبادرة في تنمية المناطق سوف نؤخر عملية التنمية الشاملة ونسير بقصد أو دون قصد إلى حشر القوى الشبابية الفاعلة في المدن الكبيرة الرياض، جدة، الدمام وما شابهها وبالتالي نعاني من التكدس البشري في المدن الكبرى الأمر الذي نعانيه اليوم وسوف نعاني منه أكثر الأمر الذي يفوق الطاقة الاستيعابية لتلك المدن ويستهلك ويهلك خدماتها وتجعلها في لهاث مستمر لملاحقة الاحتياجات البشرية المتكدسة بين شوارعها وأرصفتها ومخططاتها السكنية ومدارسها وكلياتها وهيئاتها العامة والخاصة.
*مدير عام التخطيط والإحصاء بوزارة الداخلية |