من لا يؤسس للوظيفة، سيقف يوماً أمام شعور يختلجه بانعدام دوره الفاعل في وطنه ومجتمعه فينتابه قلق من صيرورته المخيفة، بعد كينونته المتكاسلة، فيمر بمتاعب نفسية وأزمات جسدية من جراء دوران حلقة يومه حول مثلث الأكل والشرب والنوم، وللمرأة نصيب في ذلك رغم ان أبواب العمل مشرعة على مصراعيها ولم يتبق سوى ولوجهم من خلالها متسلحين بسلاح العلم، وإذا لم يتوافر لهم ذلك السلاح فمجلس القوى العاملة أقرّ استراتيجية لتنمية القوى البشرية بتأهيل المواطن السعودي وتدريبه، ولكن أين هو المواطن السعودي في زحمة العمالة الوافدة؟
هنا السؤال المحك، القضية..!!
زحمة العمالة الوافدة أفرزت لنا بطالة بين صفوف السعوديين بجانب بروزها بين العمالة الوافدة (العمالة السائبة) على حد تعبير د. عبدالواحد بن خالد الحميد وكيل وزارة العمل للتخطيط والتطوير، ومؤلف كتاب الرياض الأخير (السعودة أو... الطوفان) عندما وضع المجتمع السعودي أمام خيارين لا ثالث لهما.. خيار السعودة. أو الطوفان.. عسى ان يسترجع المجتمع طوفان قوم نوح ويدرك الغرق المفضي للهلاك..!!
العمالة الوافدة بسلبياتها قبل إيجابياتها..!
والسعودة بقلق التحقق والصيرورة ..!!
العمالة الوافدة بتحويلاتها المادية التي بلغت في عام 2002 ما مقداره 59.8 مليار ريال..!
العمالة الوافدة بما خلفته من مظاهر جديدة للعنف والجريمة كجرائم الرشوة والنصب والاحتيال والسرقات والجرائم الأخلاقية وانتحال الشخصية والقتل وجرائم المسكرات والمخدرات ومشكلات مستقبلية تتعلق بالهوية الثقافية والتركيبة النفسية لأجيالنا وتبدل ملامح الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.ولا ننكر أنها أسهمت في تنمية المملكة اقتصادياً واجتماعياً بيد أن نمو العمالة الوافدة -كما يرى د. الحميد- على مر السنين خلق نوعاً من الاعتمادية على هذه العمالة بعد ان تجاوز الاستقدام الحاجة الفعلية للاقتصاد السعودي فبتنا نرى العامل السعودي يعتمد على العامل الأجنبي في إنجاز عمله مقابل أجر زهيد، أشبه بالطفيلي أو الكائن الحي الذي يعيش على حساب كائن حي آخر مسبباً له الضرر، والحل يكون في (الحد من الاستقدام) وهو ما نصت عليه الاستراتيجية الحالية، وان نسير جنباً إلى جنب قرار السعودة الفعلي الجاد بتأهيل المواطن السعودي وتدريبه على أيد مهرة حتى يصبح جاهزاً للعمل حين الاستغناء عن العمالة الوافدة الفائضة عن الحد.. دون العمالة الأساسية ذات تخصصات يحتاج إليها البلد وساهمت في تنمية القوى البشرية السعودية.. ولكن.. هل سيرضى السعودي بالأجر المنخفض، وبساعات عمل طوال، وفي بيئة عمل صعبة؟ وهل ستكون إنتاجية الفرد السعودي بمستوى إنتاجية العامل الأجنبي المدرب؟
قلة من سيرضون بالخدمة في مطعم أو مخبز أو أن يصبح (كاشير) في مؤسسة تجارية.. ولكنهم لا بد أن يكونوا كذلك أو أصبحنا أقليّة سعودية في بلادنا أمام ستة ملايين عامل يضاف لهم نحو مليونين من أفراد أسرهم قابلين للازدياد لو تقاعس السعودي عن أخذ أماكنهم، أو تحايل أصحاب الشركات والمؤسسات في مسألة سعودة الوظائف..!! وأُكبر في هذه العجالة موقفاً لمحاضر سعودي حينما كنت في زيارة لأحد (متنزهات محافظة الطائف) وارتدتُ مطعماً فاستقبلني رجل يرتدي البنطال الجنز والتيشرت وبيده نوتة لتسجيل الطلبات، أمليت عليه طلبي ظناً مني أنه أجنبي فوجدته يدوِّن الطلب بالعربية.. سألته بتعجب: أعربي أنت؟ قال: بل سعودي وهذا المطعم لي وكذلك العمالة تحت كفالتي فاستغربت ارتداءه لبدلة تظهره وكأنه أجنبي فأخبرني أنه (محاضر) وعمد إلى لبسه هذا حتى لا يقع في حرج مع طلبته، وتأكيداً لكلامه أبرز بطاقته بدا فيها بالزي الرسمي وبمسمى وظيفته، فاحترمت موقفه وإن كنت أوده أكثر ثقة بعمله، وأحرص على إحلال العامل السعودي مكان الأجنبي.وموقف آخر أشعرني بالأسى تجاه العامل السعودي احتككت به في مطعم ثانٍ للوجبات السريعة.. كنت بانتظار تجهيز طلبي عندما تقدمت امرأة للموظف السعودي ورجته ان يبقي غرضاً، لها لديه لحين عودتها.. فوافق.. وما ان هم بوضع الغرض في زاوية المطعم حتى أنّبه رئيسه (الأجنبي) بحدة على قبوله إبقاء الغرض لديهم.. كاد العامل السعودي ان ينصاع لتأنيب رئيسه الأجنبي ويرجع الغرض لصاحبته.. ولكني بطريقتي شددت من أزره ورجوته ألا يرضخ وهو ابن البلد فاستجاب لي مبتسماً.
وكما بلغنا ان الرئيس الأجنبي خلال فترة تدريبه للعامل السعودي قد يعطي صاحب المؤسسة صورة سيئة عنه خشية ان يحل محله مستقبلاً.. لذا يجب النظر في أمر تدريب وتأهيل السعودي على أيد مهرة أجنبية.. ومتابعة التدريب بحذر.. ولا نردد مع المرديين الفارغين مقولة:(عدم كفاءة العامل السعودي سبب في انخفاض إنتاجيته)!!.
فاكس: 8435344 - 03 |