عزيزي القارئ : في العدد (351) وتحت عنوان (الفكاهة في مصر) ، كتبت من القاهرة عن بعض انطباعاتي في أول رحلتي .. واليوم ألتقي معك في جزيرتنا الحبيبة ؛ لأتحفك بما في حقيبتي لتستمتع معي في مشاهداتي ، وقبل أن نبدأ المشوار يجدر بي أن أشير إلى ما وصلت إليه مؤسسة الخطوط الجوية السعودية من مستوى حيث قطعت أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر في ساعتين وربع على طائرة تحمل مئتي راكب وهذا يعد انتصارا علميا حققته لنا حكومتنا الرشيدة فحيا الله المخلصين العاملين .
في القاهرة
سأصطحبك معي لنقف على بعض الجوانب الأدبية ومما استرعى انتباهي وأحببت اطلاعك عليه ما يلي :
1- الأسماء الثلاثة :
لاحظت أن معظم المصريين لا يكتفون باسم واحد ، فالشخص له ثلاثة أسماء الأول محمد للبركة والثاني اسم الشهرة والثالث الاسم الحقيقي وهو المدون في البطاقة الشخصية وشهادة الميلاد والدراسة ، فلك ان تتعرف على شخص اسمه محمد حسن بينما اسمه الحقيقي عبد الصبور وينادى عليه باسم الشهرة حسن وهو الاسم الأصغر عندهم . أما الاسم الأكبر فهو المخفي ، لدى سؤالي عن سر إخفاء الاسم الحقيقي قيل لي لئلا يطلع السحرة عليه فيؤثرون على حياة الشخص ، وهذا الاعتقاد الخرافي له علاقة بأسطورة قديمة تحكى ان (رع) أخفى اسمه لاعتقاده بأن في اخفاء الاسم بقاء للحياة واشتهر بأسماء كثيرة حتى احتالت عليه (إيزيس) بانتزاع اسمه بحيلة سحرية عملتها له.
ومنها سرت حكاية إخفاء الاسم الكبير واشتهار الأصغر.
2- الأدباء والادباتية :
بجانب ذكر الأدب والأدباء في مصر كنت اسمع بذكر الادباتية فحرصت على أن اعرف عنهم شيئا فقيل لي : انهم جماعة من المتسولين يستجدون الناس بطريقة غنائية بألفاظ ومعان مرتجلة وحسب الظروف الحاضرة والشخصية المقصودة بهذا الغناء والأناشيد التي تستثير إعجاب وعطف الحاضرين . وهم يشبهون المداحين وقد شاهدت جماعة من الشحاذين يطوفون شوارع بعض أحياء القاهرة ومعهم صاجات نحاسية يعزفون عليها مارشات عسكرية بطريقة مضحكة.
3- العرس والمأتم والزار :
كنت جالسا في مكتبة لانتقي بعض الكتب ، إذ سمعت أصواتا مزعجة حيث نزلت نساء من العمارة المقابلة فتوسطن الشارع وهن يصرخن ويرددن ( يا خراب بيتي) ونفشن شعورهن وبعد دقيقتين سكتن ورجعن لمسكنهن ، وسألت ما الخبر فقيل : هذا إعلان عن وفاة ميت جرت العادة ان يعلن أهل الميت عن جزعهم بهذه الطريقة ، ثم شرح لي مرافقي النكبات التي تحل في البيت الذي يموت فيه ميت ، من ترك أسباب الرزق والانصراف لاستقبال المعزين وفي تمام الأربعين تستأجر خيمة بمبلغ ضخم من المال وتنصب أمام المسكن للإعراب عن المأتم وهذه الخيمة مجهزة بالأنوار وميكروفون لإذاعة القرآن الكريم ، ثم (هات) من تقديم الأكل والشرب للفقراء الذين يفرحون بمثل هذه المآتم ؛ مما يجعل المآتم يتحول من تأبين الميت إلى فرح يشبه العيد والعرس. وقد قيل لي ان أهل الميت ربما يخسرون على المأتم مبالغ أضعاف ما يتركه الميت من تركة ويقول شاعرهم :
العرس والمأتم والزار
تجلب للبيت الدمار |
4- دار الكتب وحديقة الحيوانات :
والان سنذهب سويا لنقوم بجولة سريعة في دار الكتب المصرية للاطلاع على ما تشتمل عليه من أقسام وفهارس ومخطوطات ومطبوعات قديمة وحديثة وبشتى اللغات وبأنواع الخطوط العربية المختلفة وكتابة المصحف من المائة الهجرية الأولى وقبل التنقيط والتشكيل وعلى الجلد والأوراق المختلفة وتطور الخط العربي.
وهناك مخطوطات في كل فن لم تطبع وأعجب من ذلك طريقة عرضها على الرواد دون أن يحصل لها تلف . وقد شاهدت أنماطا من التأليف والأساليب والأفكار التي تعين الباحثين والدارسين والمؤلفين ، وقد ضمت الدار ثروة من تراثنا الفكري القديم والحديث ، هذا وان دار الكتب تستحق وقوفا أطول واراك تتشوق إلى معلومات اكثر ولكني وإياك على موعد مع المتاحف ودور الآثار ، ونظرا لكبر المساحة التي تشغلها الآثار والمتاحف واحس برغبتك الشديدة للوقوف قليلا عند ما تضمه هذه الدار من جثث محنطة منذ آلاف السنين لفراعنة مصر القدامى . ومع هذا فلا تزال باقية على طبيعتها بالإضافة إلى ما تضمه الدار من متحف ضخم يعطيك فكرة واضحة عما لدى أجدادنا من ثقافة وعتاد حربي وأثاث وأساليب العيش والنقود ، وخشية الإطالة ونظرا لان موعدنا مع حديقة الحيوانات قد أزف ارى ان نذهب إلى هناك لنرتاح قليلاً من عناء المشوار ليكون التنقل بين الحيوانات والأشجار اكثر فائدة للفكر .
وها نحن قد وصلنا إلى الحديقة انها مكان جميل رائع زاخر بأنواع الحيوانات كبيرها وصغيرها المستأنس والمفترس البري والمائي والزواحف بأشكالها وقع وضع كل منها في الكان الذي يتناسب مع بيئته ، وجهز بما يلائم له الجو . وإذا أردت المزيد من المعلومات عن طبائع هذه الحيوانات وخصائصها وطريقتها في اللعب وأماكنها التي جلبت منها ، فما عليك الا ان تقرأ البطاقات التي على أقفاصها او تتصل بالحارس الذي سيغمرك بالمعلومات التفصيلية.. وبهذه المناسبة وقبل أن نخرج من حديقة الحيوانات نتوجه بنداء إلى امين مدينة الرياض ليعيد النظر في حديقة الحيوانات في عاصمة بلادنا الحبيبة فهي اسم يحتاج إلى تحقيق مسماه ، إذ ان الغرض من وجود الحديقة ان تكون منتزها جميلا يجلب الراحة للنفس والبهجة بجانب المعرفة والثقافة والاطلاع على ما يوجد في الحديثة من نوادر وغرائب الحيوانات ، بالإضافة إلى تنسيق بديع واشجار تستأنف النظر وتريح الزائر من العناء الذي قد يلاقيه أثناء تنقله في الحديقة.
إبراهيم بن محمد الضبيعي |