عندما يأتي المولود الجديد تعم الفرحة في المنزل ولكن في أوقات كثيرة يبدأ الطفل بالبكاء بدون سبب واضح ولا يستطيع الأهل وقف هذا البكاء فيرتبكون ويسرعون إلى الطبيب فيقال لهم إن طفلهم مصاب بالمغص ما هو المغص؟؟ ولمادا يحدث؟
يحدث المغص عند الرضع بشكل هجمات تبدأ فجأة حيث يبكي الطفل بصوت عالٍ متواصل أو متقطع لذلك يُسمى البكاء الاشتدادي فهو يزداد بالتدريج وقد يستمر لعدة ساعات يصبح وجه الطفل محتقناً وقد يظهر شحوب حول الفم وتبدو عليه علامات التألم يثني الطفل ركبتيه ويسحبهما للأعلى إلى البطن وقد يمددهما لدقائق وتكون القدمان باردتين ويشد على قبضتيه؛ البطن قد يكون متمدداً قليلاً ومؤلماً ولا يستجيب الطفل لمحاولات التهدئة وتنتهي النوبة عندما يصبح الطفل منهكاً وقد يظهر بعض الارتياح بمرور الغازات أو البراز.
الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية أظهرت انه في الرضع من ذوي الطبقة المتوسطة يحدث البكاء لمدة ساعتين في اليوم في عمر أسبوعين وحوالي ثلاث ساعات في اليوم لعمر ستة أسابيع وبالتدريج يتناقص لحوالي الساعة في اليوم في عمر ثلاثة اشهر.
كلمة مغص Colic
مأخوذة من الكلمة اللاتينية kolikos (لنسبتها للكولون ) ويعرف أحياناً بأنه اضطراب في الجهاز الهضمي ولكن هذا لم يثبت أبداً ,وتبين وجود بعض الأطفال لديهم قابلية للمغص أكثر من غيرهم والسبب غير واضح ويعتبر أنه ظاهرة سلوكية أو عرض يظهر خلال الأسابيع الأولى من العمر وذروته بعمر 2-3 أشهر ويستمر المغص في 30-40%من الحالات حتى الشهر الرابع او الخامس.
الطفل المصاب بالمغص
هو طفل صحيح الجسم جيد التغذية ولكن يبكي أكثر من 3 ساعات في اليوم لأكثر من 3 أيام في الأسبوع ولأكثر من 3 أسابيع وهو ما يعرف (بنظام الثلاثيات) ولكون الهجمات المتكررة تحدث أكثر في وقت متأخر من بعد الظهر أو المساء يقترح ذلك أن حوادث في روتين الحياة المنزلية قد تسببها مثل (القلق، الخوف، الغضب، والإثارة) حيث قد تسبب هذه الحالات اقياء عند الأطفال الأكبر ومغص عند الأطفال الأصغر الرضع.......ويعزى المغص أحياناً إلى ابتلاع الهواء الذي يمر إلى الأمعاء، أو إلى زيادة الرضاعة التي قد تسبب عدم ارتياح وتمدد البطن بالغازات، ولبعض الأطعمة خاصة العالية الكربوهيدرات فربما تسبب تخمرات في الأمعاء تزيد من الغازات المتشكلة وقد يمنع تغير نوعية الطعام الهجمات التالية من المغص.
ولا يوجد دليل على كون المغص يتعلق باضطراب آرجي (تحسسي) باستثناء عدد قليل من الرضع الذين يستجيبون لحذف حليب البقر من غذائهم أو غذاء أمهاتهم في حالة الارضاع الوالدي وقد يعتبر القلس المعدي المرئي (الارتجاع) سبباً في بكاء المغص عند صغار الرضع. ولكن قبل وضع تشخيص المغص يجب على طبيب الأطفال أن يستبعد الأسباب الأخرى للبكاء الشديد المفاجئ مثل: شعرة في العين، تسحج القرنية، انتان بولي، التهاب أذن، الأذيات الرضية غير المكتشفة عند الأطفال المضطهدين كما قد يقلد انسداد الأمعاء والتهاب البريتوان هجمات المغص.
قد جرت محاولات لإزالة الغازات باستخدام دواء Simethicone ولتبطيء حركية الأمعاء بإعطاء Dicyclomine ولكن تبين عدم جدوى الأول وتسبب الثاني بنوب توقف تنفس فاعتبر مضاد استطباب. وهناك خصائص داخلية تتعلق بالطفل (كالمزاج مثلا)ونموذج الأهل الذين يعتنون بالطفل تتداخل في حدوث المغص فالحالات السلوكية تتظاهر بثلاثة أشكال:
1- تنشأ بشكل ذاتي وتبقى ثابتة حتى يكون ضرورياً الانتقال من حالة لأخرى .
2- حالة تبقى ثابتة لعدة دقائق.
3- ومنبه معين يؤدي إلى استجابة معينة مختلفة من حالة لأخرى.
وبين تلك الحالات يوجد حالة البكاء ،حالة الهدوء مع الصحو، حالة الصحو مع النشاط، حالة انتقالية، وحالة النوم العميق.
الحالات المهمة في المغص
هي حالة البكاء والحالة الانتقالية.. فخلال الانتقال من حالة لأخرى يسهل السيطرة على سلوك الطفل ولكن عندما يصبح الطفل في الحالة الثابتة (كحالة البكاء مثلا) يصبح من الصعب نقله إلى حالة أخرى (كالهدوء مثلا).وبعض الرضع ينتقلون من حالة لأخرى بسهولة بينما بعضهم يثبتون في حالة معينة ويبدون مقاومة لتغييرها.
وهذا الانتقال من حالة لأخرى تكتمل السيطرة عليه باكتمال النضج العصبي عند الطفل ونضج مزاجه.... من الأمور الأخرى التي يجب الاهتمام بها عند تقييم الطفل المصاب بالمغص تغذيته وطريقة العناية به، فالمغص كما ذكرنا هو ظاهرة سلوكية تشمل التداخل بين الرضيع ومن يعتني به، فالذين يقومون بالعناية بالطفل يختلفون في فهم الحالة وفي طريقة استجابتهم، فاذا استجابوا للطفل الباكي بتدليله وحسب طلبه وبدون فهم نظام الطفل ومفتاح التعامل معه أو استجابوا بطريقة سريعة وخشنة تصبح إمكانية أن ينظم الطفل نفسه ويهدأ أوان يستجيب لمحاولات تهدئته غير مجدية، وبالعكس إذا فهم الأهل مزاج الطفل وأسلوب التعامل معه ممكن إن يثبط حالة البكاء وممكن أن يتدخل الأهل قبل أن يصبح هذا السلوك متأصل ومن الصعب تغييره عندئذ.
والآن كيف نتعامل مع المغص وكيفية تدبيره:
هناك عدد من المقاربات في حالة الطفل المصاب بالمغص::
* يجب تثقيف الاهل حول ميزات تطور سلوك البكاء عند الطفل ويعرفوا أن هذا البكاء يزيد تدريجيا بشكل طبيعي في الشهر الثاني من العمر ثم يخف في الشهر الثالث إلى الرابع.
* تطمين الأهل بأن الطفل غير مريض وذلك بعد أخذ قصة سريرية وفحص سريري كامل ويشرح لهم أن هذا السلوك مزعج بطبيعة الحال ويوجد اختلافات طبيعية بين الأطفال ولكنها حالة محددة لنفسها تلقائياً وهذه المناقشة تسهل بأن يحتفظ الأهل بمفكرة عن حالات البكاء وعن زيادة الوزن فاذا كان نموذج تغوط وتبول الطفل طبيعياً وزيادة وزنه كافية فاحتمال وجود مرض مستبطن ضئيل جداً ويجب إزالة قلق الأهل لأنه يمكن أن يزيد المشكلة.
* وحتى يستطيع الأهل تهدئة الطفل وإراحته يجب عليهم أن يفهموا كيفية التعامل مع الطفل ويمكن أن يساعدهم طبيب الأطفال بمراقبة سلوك الطفل وان يهدف تدخله ونصحه إلى تهدئة الطفل والأهل معا، ويمكن أن يشجع الجو الهادئ للطفل بدون زيادة حمله، والتنبيه الرتيب مثل المرجحة (الهز الخفيف), التربيت (الطبطبة) الخفيفة عليه، الموسيقى الهادئة، قيادة السيارة به أو وضعه في عربته مع تحريكها بهدوء وخاصة إذا استطاع الأهل التنبوء ببدء البكاء عند الطفل، ومن المحاولات الأخرى أن يحمل الطفل بوضعية مستقيمة، أو إن يستلقي على بطنه في حضن أمه أو على زجاجة ماء دافئة أو قطعة قماش دافئة فذلك قد يساعد أحيانا، كذلك إخراج الغازات عفويا أو بإدخال تحميلة أو حقنة شرجية قد يفيد في إراحة الطفل.
من المقاربات الأخرى تغيير عادة الارضاع بعدم ارضاعه بسرعة وترك فرصة للتجشؤ وقد يفيد تغذيته بتكرار أكثر لتخفيف تمدد البطن بالغازات إذا ظهر أنها تتدخل بمشكلة المغص.
* أما الأدوية مثل معلق الفينوبربيتال Phenobarbital والديسكلومين Dicyclomine وجد انها تساعد بعض الشيء ولكن لا يشجع استخدامها بسبب خطر التأثيرات الجانبية وخطر زيادة الجرعة ... يوجد محاولات باستخدام دواء رانتيدين هيدروكلورايد Ranitidine Hydrochloride ربما تساعد في حال وجود قلس معدي مرئي الذي ممكن أن يكون السبب في عدم راحة الطفل.
* يصعب إجراء المعالجة السلوكية للطفل المصاب بالمغص ولكن محاولات تغيير التغذية وروتين الرضاعة وحذف حليب البقر من الحليب المقدم له او من غذاء الأم المرضع، وتجنب نقص أو زيادة الرضاعة قد يفيد في منع الهجمات أو تخفيف تكرارها، وعلى كل نادرا ما يستمر المغص بعد عمر 3-4 أشهر والدعم من الطبيب والعلاج العرضي قد يتجح في تخفيف المشكلة.
د. هناده الدروبي
أخصائية طب الأطفال |