نشرت صحيفة (الجزيرة) تقريراً من الأراضي المحتلة يفتخر فيه الإسرائيليون بقتل الفلسطينيين بدم بارد، حتى قال أحدهم إنه أحلى شعور في العالم حيث يشابه الشعور الذي ينتابك عندما تفوز بمباراة كرة القدم، مضيفاً (أنا إذا استيقظت من نومي بشعور سيئ سأقتل فلسطينياً غير مسلح، وإذا كان فتى فيجب قتله لأنه سيكبر ويتحول إلى مخرب او أقتل امرأة حتى تتوقف عن إنجاب الأطفال).
ولعل نشر صحيفة (معاريف) الإسرائيلية مقابلات مع عدد من الجنود يتحدثون عن هذه النشوة التي يشعرون بها عندما يقتلون أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل لم يكن للتباهي أو المفاخرة بإقدامهم على ممارسة تلك الاعمال المقززة للنفس البشرية أياً كانت ديانتها او جنسيتها، وانما جاء هذا النشر للرد على الاتجاه السائد الآن في الجيش الاسرائيلي الذي بدأ يتململ من هذه الممارسات غير الاخلاقية، وبدأوا يعترفون بأنها جرائم حرب مرتكبة ضد شعب أعزل يقتل الأطفال والنساء والشيوخ غير المسلحين.
وتحاول السلطات الإسرائيلية من جراء نشر هذه التقارير التي يزهو فيها جنودها بقتل الفلسطينيين المدنيين أن تخفي ظاهرة بدأت رائحتها تفوح الآن بل تكاد تزكم الأنوف من خلال طرح آراء مضادة او زيادة للرواتب والمكافأة للجنود للعمل في المناطق العربية المحتلة.
لكن القضايا التي اكتظت بها المحاكم الاسرائيلية كشفت ما حاولت السلطات اخفاءه فظهر أن هناك جنوداً اسرائيليين أصبحوا مرضى نفسانيين بدرجات خطيرة، يمارسون العنف ويتعاطون المخدرات ويعتدون على أفراد عائلاتهم ويطلقون زوجاتهم!!
وقد صدقت مقولة وزير دفاع مصري سابق حينما قال (يفقد الجيش لياقته العسكرية عندما يقدم على قتل المدنيين العزل من السلاح) والجيش الإسرائيلي فقد فعلياً هذه اللياقة العسكرية. وبدأت تتكشف حقائق كثيرة أهمها تقدم (6700) من جنود الجيش الإسرائيلي شاركوا في حروب جنوب لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة تقدموا للمحاكم للاعتراف بهم كمعاقين نتيجة خدمتهم في الجيش بعد تدهور حالتهم النفسية.
وفي بادئ الامر تقدموا لوزارة الدفاع لكنها رفضت بسبب التكاليف الباهظة فتوجهوا للقضاء.. الأمر الذي أجبر القادة الحفاظ على هيبة وسمعة الجيش الاسرائيلي فأقاموا قرية خاصة لمعالجة هؤلاء واطلق عليها اسم (اترون) وتعني التوازن، سجل فيها حتى الآن (900) جندي ممن خدموا في الاراضي الفلسطينية او معظمهم شارك في العمليات العسكرية في حملة (السور الواقي) وما حدث فيها من مجازر بشرية وجرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين.
وحسب الحالات الموجودة بالقرية هناك العشرات ممن حاول الانتحار. وقال أحد الاطباء النفسيين المشرف على علاجهم ( إن الجنود يبكون ويتهمون أنفسهم بقمع الناس وتعذيبهم وسرقتهم، وبعد عودتهم تعود المشاهد من الواقع فلا يتحملون أنفسهم ويكون أول مخرج لهم الانحراف نحو المخدرات).
هذا الوضع المزري للجيش الاسرائيلي احدث صدمة للقادة والمسؤولين فحاولوا قدر امكانهم إخفاءها عن الصحافة لكن امرها انكشف.. فحاولوا العلاج وترفيه الجنود لكن الأخبار الصادرة عن الجيش لا تشير إلى أن الأمور بدأت تستقر، فقد بدأت العائلات ارسال ابنائها خارج البلاد خوفاً من ذهابهم الى جنين او رام الله والمشاركة في العمليات العسكرية، كما بدأت حالات التمرد والعصيان تنتشر بين صفوف الجنود، وقد أعلن عدد كبير من سلاح الطيران الاسرائيلي رفضهم ضرب المناطق المدنية للشعب الفلسطيني وقبله اصدر ضباط اسرائيليون بياناً يعارضون فيه سياسة شارون القمعية للشعب الفلسطيني وعدم التعاون معه في تنفيذ مخططه.
والامر الأخطر ما حدث لجنود الجيش في وحدة المستعريين الذين يقضون ايامهم في مستشفيات الأمراض العقلية والأقسام المغلقة من مستشفيات الأمراض النفسية لان عمل هذه الوحدة يختلف عن بقية وحدات الجيش، لان من يعمل فيها يتقمص الشخصية الفلسطينية مثل امرأة محجبة او مسن او متسلل مقاوم ثم يقوم بتنفيذ عمليات اعتقال او اغتيال، تلك الأعمال او صلتهم الى حالات نفسية خطيرة ومعنويات منهارة!!
إن ما يحدث للجندي الإسرائيلي من انهيار نفسي وتصدع في العلاقة بينه وبين جيشه يؤكد أن الخداع مهما حاول القادة والسياسيون من تزيينه لابناء شعبهم فسيأتي يوم ويتأكد لدى الجندي الممارس لهذه الاعمال الوحشية انه وقع تحت تأثير زيف الدعاوى والخداع السياسي والعقائدي فيحدث له حالات من عدم التوازن يعقبها انهيار عصبي ونفسي.. لذلك يحاول شارون جاهداً الآن ترك قطاع غزة في انسحاب أحادي الجانب لطمأنة جنوده واستعادة هدوئهم النفسي. لكن هل يستطيع شارون محو صور البشاعة والجرائم التي ارتكبها جنوده من ادمغتهم وعقولهم؟!
اعتقد أن القادة في اسرائيل والمنظرين لسياسات القمع في حالة ارتباك شديد لأن هذه الضربة الآن تأتيهم من الداخل ومن الجيش أهم قطاع في الدولة لان اسرائل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تكونت من جيش اولاً ثم اصبح لديها شعب احتياط للجيش عكس كل دول العالم لها شعب ثم جيش يحميها!
وعندما تأتي الضربة من داخل الجيش الاسرائيلي تفقد الدولة هيبتها وسمعتها ويزداد الامر تعقيداً، لأن اعداد الجنود المصابين يزدادون يوماً بعد الآخر، والمتمردون على تنفيذ اوامر القتل يزدادون ايضاً، ومساحات القضاء مليئة بمثل هذه الحالات.
وتحولت معركة هؤلاء الجنود من ساحات الميدان إلى ساحات القضاء وبدأ الجيش الاسرائيلي يفقد لياقته العسكرية وسمعته الدولية، وهذا انعكاس طبيعي للسياسات القمعية والإجرامية.. فبأيديهم لا بيد عمرو!!
رضا محمد العراقي |