قمة الكبار .. وهموم الصغار

جاب الرئيس الأمريكي أنحاء أوروبا ، وسمحت له الجولة بترميم علاقات مهترئة مع الحلفاء في الجانب الآخر من المحيط , ومع ذلك فقد حرص بعض من هؤلاء الحلفاء على تذكير بوش بأن العراق لا يزال يمثل غصة في الحلق , غير أن بوش لو حاول تحسس الأوضاع في الشوارع القريبة من (الاليزيه) و(فيلا ماداما) وبقية القصور والمقرات الرئاسية الأوروبية حيث التقى الرؤساء , لأمكنه أن يقارن بين الرفض المهذب لسياساته داخل القصور وحالة الفوران التي تجتاح الشوارع غضباً من نهجه في العراق وفي فلسطين وفي العالم أجمع .
وقد جدد الاحتفال بالذكرى الستين للإنزال في النورماندي في الحرب العالمية الإصرار على حماية التحالف القائم بين أوروبا والولايات المتحدة منذ 60 عاماً , وأشاع قدرا من التوحد والتواؤم والتلاقي ، انتقل مع القادة الكبار إلى قمتهم في أي سيلاند بأمريكا.
لقد مثلت الجولة استفتاء على تلك السياسات , ومن المهم أن تأخذ الديموقراطية الأمريكية التي تتطلع واشنطن إلى تطبيقها في العالم , بعين الاعتبار ما تقوله كل تلك الجماهير المحتشدة في الشوراع ، كما أنه من الضروري أن تقدم واشنطن مثالاً طيباً لكيفية تجاوبها مع آراء الأغلبية ،
حتى يمكن أن تقنع الآخرين بأن ما تبشر به هو أيضاً أمر تطبقه هي ذاتها وتحرص على الحفاظ عليه من خلال الوفاء بكل مستحقاته.
واليوم يلتقي قادة الدول الكبرى في قمة الثماني الكبار في ضيافة بوش , وسيكون العراق وفلسطين من بين الأجنة المطروحة , والأمل أن تتسع القمة لكل التطلعات بما في ذلك تطلعات منطقتنا العربية , وأن تبرهن الدول الكبرى أنها وفية أيضاً لتطلعات شعوبها وأنها أنصتت لهتافات الشوارع في مدنها
التي أثبتت أن هؤلاء الذين يحاولون رسم السياسات في العراء يملكون إحساساً أقوى بمشاكل الآخرين , حتى في الشرق الأوسط , دون أن يستعينوا بأجهزة إدارية واستخباراتية كبرى وجيوش جرارة من الدبلوماسيين تتحسس لهم طبيعة النبض في تلك الأنحاء البعيدة.
وتستطيع الدول الثماني الكبرى أن تكون فعلاً كبرى ، لو أنها حاولت
مد يد العون إلى هؤلاء الصغار الذين تطحنهم أحياناً في غمرة سعيها نحو أهدافها الكبرى , دون ان تحس بوجودهم.
لقد نبهت تلك التظاهرات في عواصم الغرب الكبرى أثناء جولة بوش الأوروبية الى ان هناك تفهما أوسع بين مواطني تلك الدول لما يجري في فلسطين والعراق ، وأن الإدارات والحكومات الغربية هي التي تحول دون ترجمة آمال وتطلعات مواطنيها إلى سياسات فاعلة تعيد الحقوق لأصحابها في فلسطين , أو تؤدي لسياسات تتسم بالحكمة في العراق ، بدلاً من حالة الاستفزاز التي حولت العراق إلى أرض للمجازر والأعمال الانتقامية ، وإلى مقر لأبشع مظاهر الفتك بالإنسان في (أبو غريب) وغيره من المعتقلات.