أخذت جاداً في البحث عن وظيفة، وانتهى بي الترحال إلى وزارة المعارف، بعد أن قدمت طلبي لمسئول جليل مازالت احتفظ له بالفضل بعد الله، ذلكم هو الأستاذ المربي الفاضل الشيخ ابراهيم الحجي، وكان يشغل على ما أذكر (مدير عام التعليم) او وكيل الوزارة الذي قرأ طلبي وقال لي بالحرف الواحد: ( يا ابني تو عمرك صغير وليش ما تواصل دراستك)، وبعد ان اخبرته بظروفي المعيشية قال لي سوف اوظفك بشرط أن تواصل دراستك ليلا، فأعطيته وعداً بذلك ورجوته أن يكون عملي في التدريس في مدرسة قريبة من سكني، وفعلاً باشرت العمل مدرساً في مدرسة ام سليم الابتدائية وكان سكني في الشميسي قريباً من سوق (التمر) ولا أبعد من المدرسة إلا بضع خطوات، وكان مدير المدرسة يومذاك احد الاخوة المتعاونين من غير السعوديين، وأذكر من زملائي كلاً من الأستاذ عبدالرحمن البواردي، والأستاذ سعد النفيسة، والاستاذ عبدالله اليحيى، غفر الله لهم، وكان من طلابي الاخوة الرائد ناصر الشريف (اخي) عليه شآبيب الرحمة والغفران، والأستاذ الممثل الكبير سعد التمامي، واخوه محمد، صاحبا الذوق المرهف، والنكتة والتمثيل الهزلي، والأستاذ عبدالعزيز الحقباني.. الخ وكنت أصغر منهم حجماً وجسماً، وكان هذا الصغر اضافة الى صغر سني جعلاني أشعر بشيء من النقص! فهداني تفكيري الى شراء (بشت) من اول مرتب قبضته لكي أكمل هذا النقص، حسب تفكيري المحدود، وكان هذا التقليد سائدا بصورة أكثر مما هو عليه الآن. وكنت ألبسه عند العمل وخارج العمل في المناسبات الملائمة. وفي ذات يوم عندما كنت اقوم بتدريس الصف السادس ومن ضمن المواد المخصص لي تدريسها الخط والمحفوظات، وعندما دخلت الفصل إذا بي أرى احد الطلبة يبكي بكاءً مراً واخذته الى الادارة وفهمت السبب، فما كان مني الا ان تناولت (الخيزرانة) المعلقة في الادارة، المخصصة للأخطاء الكبيرة، وبدأت في ضرب طلاب الصف من أولهم إلى آخرهم ضرباً يكاد يكون مبرحاً على راحة ايديهم، وكان هذا الاسلوب معمولا به آنذاك، وفي ذات يوم لا يبعد كثيراً عن الواقعة، اذا برجل يقرع باب منزلنا فخرجت اليه وألقيت نظرة فلم يمهلني وسحبني بثوبي إلى منتصف الشارع وقال بصوت يشبه صوت الجمل إذا هاج (ليش تطق أخوي) ولم يمهلني لسماع الجواب، إذ سرعان ما حملني الى مستوى كتفيه العريضين وألقى بي في الارض ثلاث ورباع، ونفض يديه من التراب وقال لي (في أمان الله كأنك تبغاني انا انتظرك في سوق التمر) وأخذت الدماء تسيل من كل جانب في جسمي، وزحفت على ركبتي لأدلف الى الداخل واخذت والدتي تضمد الجراح حتى يحضر الطبيب. وفي الحلقة القادمة سأحدثكم عن سر الأستاذ الصغير.
(*) الرياض
|