لا تزال زوَّادتي مليئة بأوراق الورد
وعبق حروفكم يشذِّي من حولي ما تُلوِّثه الأحداث ، ويُذهب عن خاطري حسرة التحسّر على ما يعبر بنا كلَّ يوم من موجعات !!...
لم أقف بكم على شاطئ لأغسل بنقاء حروفكم ماعلق ، ليس لأنَّني عبرت ثمَّ غادرت ، وإنَّي عبرت وغادرت غير أنَّكم كنتم معي ، لكن ، تعلمون أنَّ الخاطر المكلوم ، والذّهن المألوم ، والحيرة تتأزم بها حتى خطوات القلم على الورق ، نحن نعبر في منعطف تأريخي سبق أن استخدمت له هذا المصطلح ، غير أنَّه اتسع وتعدَّدت منافذه وأدوراه ، نحن في تأريخ بشري أحداثه أكثر ممَّا يستوعبه فكر الإنسان ، وحجم قدرته على متاهة صغيرة وكبيرة ، ونحن نعبر في المنعطف بمتغيرات اجتماعية كثيرها لا تنبئ بما يتوقَّع الإنسان , إذ متغيراتها مفاجئة لكثير من أساليب التَّخمين أو توقَّعات التحليل ، ونحن نعبر في المنعطف ذاته بمتغيرات طبيعية طالت الكواكب ، وترتيب الأرض ، ولحقت بالبيئة ، ونواتج العلوم ، والمعارف ، ونحن نعبر بمنعطف لم يقف عند حدود المتغيرات الطبيعة وسيروره حركة الإنسان وفق أنظمته لمسار سياسته وتعليمه واقتصادته وتربيته ، بل نالت قيمة وأخلاقه وسلوكه وتفكيره وآليات تنفيذه ، وأساليب تعامله مع جميع ما يتيح له البقاء وتحقيق الرؤية...
كلّ هذا يستنزف من المرء الملاحقة ، والمتابعة ، والتفاعل ، ومحاولة التَّجاسر على الوقت لأنَّه لا يتسع لما يحدث ، وربَّما لا يستوعب ما يحدث إلاَّ في حدوده فائقة الغموض ، تلك التي لا يصل إليها سلطان البشر الذين حُدِّدت لهم قدرات ، غير أنَّهم بما أوتوا من قليلها يتقافزون ؛ كي يُلحقوا بكلِّ شيء يرتبط بالأرض التي يعيشون فوقها شيئاً من مخلَّفاتهم في جوانب الفكر الذي يتبنَّون ، والخبرات التي يصنعون ، والتجارب التي يقدمون ، وفق تصورات وخطط وقرارات وتطبيقات ، تختلف ثمَّ في النهاية تتضافر على صنع هذا المنعطف في الكون العظيم ، بما يؤهل كلَّ من يعيش في هذه الحقبة لأن يتباهى أو يتوارى ، فثَّمة نتائج ذات مستقبل سوف تظهر ، وتاريخ سوف يُدوّن ، ووقائع سوف تشهد بأنَّ إنسان هذا العصر قد فعل شيئاً.. إذ ستتمخَّض ألسنة النيران ، ودوي المدافع ، وشلالات الدماء ، ورماد الأتون ، وأشلاء الأجساد ، وشظايا البارود ، وبقايا المتردَّي والمهدوم ، وكلَّ صرخة ، ونكبة ، وجفاف ، وظلام ، وهتك ، واعتداء ، وسلب واحتلال ، وضغط ، وتغيير ، وكلام ، وتحليل ، وصراخ ، وعويل ، ومكابرة ، وتمييع ، وتفريط ، وأخذ ، و... وعن ، وعن ، وعن ، ممَّا يتاح لمن يأتي كي يدوّن ، ومن ثمَّ يقتات على ما يجدُّ ..
هذا الذي شغلني دون أن أفضَّ ورودكم ، وأنثر أوراقها كي تعبّق بشذاها هذا المكان .. إلى الاثنين القادم كي أفعل .. تحية لكم فإنَّكم دوماً معي.
|