أصدر المؤتمر الوزاري الاستثنائي لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) قراره الاستراتيجي بزيادة سقف انتاج المنظمة إلى 25.5 مليون برميل يومياً اعتباراً من الأول من يوليو المقبل وإلى 26 مليون برميل يومياً اعتباراً من بداية شهر أغسطس القادم. ويأتي هذا القرار لتطمئن الدول المستهلكة للنفط وللحد من الارتفاع المتزايد في أسعار النفط، وما يترتب عليه من انعكاسات سلبية على معدلات النمو الاقتصادي العالمي وزيادة في معدلات البطالة وانخفاض في مستوى رفاهية المواطن في الدول المستهلكة وربما ايضاً في الدول المنتجة التي تعتمد بشكل كبير على استيراد معظم احتياجاتها الاستهلاكية والانتاجية من الدول المستهلكة للنفط.
وفي اعتقادي أن منظمة الأوبك قد توصلت بالاجماع لى قناعة راسخة بأهمية تغليب المصلحة المتوازنة عند صياغة قراراتها الانتاجية حتى يمكن لها أن تستمر كمنظمة دولية فاعلة في بيئة اقتصادية وسياسية مجهولة المعالم على الأقل في الأجل القصير، وحتى تستطيع المحافظة على المصالح السياسية والاقتصادية للدول الأعضاء. فبعد أن ثبت للعالم عدم قدرة الدول الصناعية على ايجاد البديل المناسب الذي يستطيع أن يحل محل النفط كمصدر رئيس للطاقة، وبعد أن ثبت للعالم عدم قدرة الدول الصناعية على تحمل التبعات السياسية والاقتصادية المترتبة على الارتفاع المستمر لأسعار النفط العالمية، أصبح من الضروري على المنظمة أن تعي عدم قدرتها على الانفراد بقرارها الانتاجي والتسويقي دون أن تأخذ في الاعتبار مصالح الطرف الآخر ودون ان تأخذ في الاعتبار البعد السياسي الذي في أوقات كثيرة يلعب دوراً مؤثراً في هيكلة السوق النفطية. ومن هذا المنطلق فإن قرار المنظمة بزيادة سقف الانتاج لاعادة أسعار البترول إلى المعدلات المقبولة (22 - 28 دولارا للبرميل) يعتبر في نظري من أهم القرارات التي اتخذتها المنظمة في الآونة الأخيرة لكونه يعطي مؤشراً ايجابياً على عقلانية المنظمة وعلى سعيها لتحقيق مصالح الدول المستهلكة بنفس القدر التي تحرص فيه على تحقيق مصالح الدول الأعضاء.
كما أن أهمية هذا القرار تبرز اذا تصورنا التحالفات السياسية الخفية التي تحاول النيل من المنظمة بشكل عام ومن المملكة العربية السعودية بشكل خاص باعتبارها الدولة الأكثر قدرة على التأثير في متغيرات أسواق البترول العالمية، كما تبرز اذا تصورنا الهجمة الاعلامية الشرسة التي تسعى إلى النيل من هذا الوطن الكبير بمقوماته ومقدراته المختلفة. وبالتالي فإن مبادرة المملكة لقيادة التحرك الدولي داخل المنظمة لاعادة التوازن لأسواق النفط يمثل الرد العملي الناجح على مثل هذه التحركات العدوانية التي يقودها في الظل والعلن منظمات عرفت بعدائها لكل ما هو مسلم وعربي وسعودي.
اشارة: لقد تغيرت التركيبة السياسية العالمية ومعها تنامى البعد السياسي للنفط كسلعة انتاجية ذات مرونة سعرية ودخلية منخفضة وهذا يتطلب عقلانية سياسية قد تفوق في أحيان كثيرة العقلانية الاقتصادية المطلوبة، فشكراً لأصحاب القرار وصناعه على هذا القرار الايجابي من الناحية السياسية أولاً ثم من الناحية الاقتصادية ثانياً.
|