Tuesday 8th June,200411576العددالثلاثاء 20 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "دوليات"

أضواء أضواء
مهزلة القضاء الصهيوني..!!
جاسر عبدالعزيز الجاسر

حتى في الأنظمة القمعية والدكتاتورية.. بل حتى العنصرية يظل القضاء دائماً يحاول الابتعاد عن هيمنة تلك الأنظمة وقد استطاعت سلطة القضاء في كثير من الدول التي ابتليت بأنظمة فاسدة وحتى في البلدان المحتلة أن تظل مستقلة يلجأ إليها المتضررون لإنصافهم وفق القانون.
هذا ما يحصل دائماً وكثيراً في مختلف أنحاء العالم إلا في الكيان الإسرائيلي الذي جند كل المؤسسات الرسمية الإسرائيلية وغير الإسرائيلية لخدمة الاحتلال.
واتخذت سلطة القضاء في الكيان الإسرائيلي العديد من الأحكام الجائرة ألغت في ظلالها أي نزاهة للقضاء فضلاً عن القدسية التي يستشعرها الناس تجاه من يمثل هذه السلطة ويجسد الحكم غير الشرعي الأخير الذي أصدرته إحدى المحاكم الإسرائيلية على الزعيم السياسي الفلسطيني مروان البرغوثي أحد أبشع وصمات العار في سجل القضاء الإسرائيلي فبالإضافة إلى تجرؤ القضاء الإسرائيلي على (محاكمة) الضحية والذئاب يهللون للحكم الجائر لا نناقش معنى أن يحكم على إنسان خمس مرات حكماً مؤبداً ثم تضاف مدة إضافية بالحكم خمسين عاماً..
وكان النطق بالحكم فصلاً إضافياً لمسرحية المحاكمة الهزلية.
مجموعة سنين الحكم تصل إلى ثلاثمائة سنة..!! والمحكوم عليه زعيم سياسي عضو مجلس منتخب وجرى انتخابه استناداً إلى اتفاقيات وقعتها الحكومات الإسرائيلية وتضمنها الدول الراعية لتلك الاتفاقيات.
كل هذا من هزلية الاحكام إلى عدم شرعية المحاكمة.. إلى صمت وتخلي الحكومات الراعية لاتفاقيات أوسلو وغيرها تبرز مسألة في غاية الأهمية وهي توجه سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى (ابتداع تهمة) جديدة، وهي (التجريم السياسي) فمن خلال قراءة لائحة الاتهام الموجهة إلى مروان البرغوثي يتضح أنها أول لائحة اتهام تقدمها محكمة عسكرية إسرائيلية بهذا الشكل والمضمون بحق معتقل فلسطيني، فهي لائحة يتضح من مقدمتها الأهداف السياسية من وراء تقديم مروان للمحاكمة فقد بدأت بنصوص عامة وليست بنود إدانة قانونية واتهمت اللائحة الانتفاضة بالإرهاب وهي محاكمة للنضال الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال وحاكمة للقيادة الفلسطينية ومواقفها وأساليب كفاحها.
وقد استطاع مروان خلال جلسات محاكمته أن يحول هذه المحكمة إلى منبر لمحاكمة الكيان الإسرائيلي وإدانة سياسته القمعية والإجرامية بحق الشعب الفلسطيني وذلك من خلال ردوده على الادعاءات المقدمة في لائحة الاتهام من حيث عدم صلاحية المحكمة بمحاكمته موضحاً أنه اُختطف واُعتقل وأُحضر إلى دولة إسرائيل بصورة غير قانونية وأن تقديمه لهذه المحاكمة يتنافى مع القانون الدولي الإنساني ومع اتفاقيات أوسلو الموقعة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
واعتبر مروان أنَّ لائحة الاتهام المقدمة ضده هي محض دعاية متطرفة وتحريض ضد كفاح الشعب الفلسطيني العادل وتشويه هذا الكفاح مع تجاهل كل العناصر الأساسية للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وخاصة وجود الاحتلال وجرائمه، وقال مروان إنَّ دولة إسرائيل لا تملك صلاحية محاكمة زعماء الشعب الفلسطيني الذين يؤدون دورهم التاريخي بإزالة الاحتلال عن أرضهم.
لقد رفض مروان سماع لائحة الاتهام بالمطلق ورفض سماع المحكمة قائلاً: إنه تم إحضاره لهذه المحكمة بالقوة، رافضاً توكيل محامٍ لتمثيله مصراً أنَّ محاكمته غير شرعية وتجري بقوة الاحتلال وليس بقوة القانون.
لقد سجل مروان خلال المرحلة الطويلة وهي الحد الأقصى في أقبية التحقيق (90 يوماً) موقفاً نوعياً فريداً تمثل برفض التجاوب مع المحققين مصراً أنه رجل سلام ومناضل حرية وأن الاحتلال هو سبب الكوارث.
لقد نجح مروان في تحويل مسار المحكمة من البعد الأمني إلى البعد السياسي مستقطباً بذلك الكثير من التأييد الدولي والإقليمي.
ولم تكتفِ حكومة الاحتلال بتوجيه اتهامات وادعاءات لمحاكمة مروان بل زجت به في زنازين العزل الانفرادي بقرار من وزير الأمن الداخلي، حيث يعيش في زنزانة انفرادية في بئر السبع شبيهة بالقبر محروماً من كل حقوقه الإنسانية.
والزنزانة التي يعيش فيها مشيدة تحت الأرض منذ زمن الانتداب البريطاني مليئة بالتراب والحشرات والجرذان ولا تحتوي على أية وسائل تهوية ولا تتجاوز مساحتها 1.5-2 متر ويخضع مروان في هذه الزنزانة للعديد من الإجراءات القمعية من تفتيشات واستفزازات ويخرج إلى ساحة النزهة ومقابلة المحامي مكبل اليدين والقدمين.
وقد تدهور وضعه الصحي ونقل إلى مستشفى سجن الرملة لإجراء فحوصات له في الحنجرة حيث تم أخذ عينة لإجراء الفحص.وقبل محاكمته يوم الخميس الماضي منعت إدارة السجون زيارته من قبل المحامين وفرضت عليه عزلاً تاماً داخلياً وخارجياً.
إن قرار محاكمة مروان البرغوثي هو قرار محاكمة القيادة السياسية للشعب الفلسطيني ومسيرته النضالية المشروعة، مما يتطلب موقفاً جدياً لوقف جريمة حرب تجري تحت غطاء القانون تتجاوز بشكل بشع كل الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية.وهنا يجب مساءلة الدول الضامنة لاتفاقيات السلام وخاصة الدولة الوسيطة الكبرى (أمريكا) عن صمتها على هذه المهزلة التي ارتكبها القضاء الإسرائيلي.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved