حضرت مؤتمراً قبل فترة في إحدى الدول العربية عن التربية والديمقراطية فكان مما أثير آنذاك (حق المرأة في التصويت) والانتخاب، فمن الرجال وبعض النساء من يقف ابتداءً ضد هذا الحق، ومنهم من يدعمه، ومنهم من يثير لب اللعبة الديمقراطية أن الامر ينتهي عند الأغلبية في التصويت، فالحق في الفلسفة الديمقراطية مربوط بالكثرة لا بأهلية القول وصحته، فأثرت في نفسي سؤالاً: ولماذا أصلاً يصوت على أحقية المرأة في التصويت؟ وليس ذلك للرجل؟ ألا ترون بأن في هذا خلل!وكان مما أثير دفاعاً عن هذا (الحق) بأن المرأة في هذا البلد ليست نصف المجتمع، بل هي من حيث العدد أكثر من الرجال.. فلم يحرمن هذا (الحق)؟ .إن من الحقائق الملموسة أن من النساء من يفقن في رأيهن ورجاحة عقلهن أكواماً من الرجال! فكينونة الشيء (امرأة أو رجل) لا تعني في الأصل شيئاً بقدر ما يعني محتوى هذا الشيء!.. ومن هنا فهل يعقل أن يعطى أبالهة الرجال الحق في تسيير الأمور في الوقت الذي تحرم منه مشاهير النساء.. من إبداء الرأي فضلاً عن إدارته!!.
..إن مكيال الإنسان بحجم عدده نصفه قل أو زاد لا يعني للحقيقة وفي الحقيقة شيئاً ما لم تحتوِ هذه الكمية معاني المسؤولية والانتماء والعطاء.. ذلك أن غثائية العدد هي شؤم هذه الأمة (ولكنكم غثاء) !!.
ومن منظور اجتماعي ساءلت نفسي وتأملت الجدلية والجدل في وضعية المرأة وأحقيتها فتوصلت إلى ما عنونت به أطروحتي (أن المرأة كل المجتمع) ، ذلك أنها هي المنتج الحقيقي لما يدور داخل أي مجتمع!، هي المصدر الذي تنبثق وينبثق منه العنصر العامل أو المتكاسل في كل مجتمع! بل إن من يقف ضدها من الرجال هم من إنتاجها هي! وهم صنيعة يدها ابتداءً!! ولو أن المنتِج (بالكسر) تابع انتاجه بالرعاية والصيانة، والمنتَج (بالفتح) يقدر حقاً ميكنة الأحشاء التي ولدته وسني السهر الذي أظلته بين أجنحتها، لما كان لاصل الجدل والجدلية التي أثيرت في مؤتمر التربية والديمقراطية مكان! ولكنه طغيان الإنسان وظلمه وجهله، ليس فقط لأمه أو أخته، بل للمجتمع بأسره.. إذ يُخرج من معادلة نمائه وإنمائه المولد الحقيق له (المرأة) !!.
ليس في ذلك دعوة لإخراج المرأة ولا لإدخالها وإنما دعوة لتقديرها حق قدرها سواء أكانت في مصنع المجتمع الحقيقي (البيت) أو في أحد خطوط إنتاجه داخل المجتمع.. فمن المرأة يبدأ العامل وإليها يخلد ويرتاح.. فكيف نجعلها نصفاً وهي تحتوي ذلك كله!!
.. إن أصدق وأقوى معنى وجدته في التأكيد على ذلك هو تكرار البريرة بأصل المرأة ثلاثاً (أمك ثم أمك ثم أمك) وهذه التثليثة النبوية بزواياها الثلاثة (الأم والأم والأم) تحتوي هذه الاضلاع الثلاثة المجتمع وكل من فيه..، التي هي ابتداءً للمرأة (حواء) وانتهاء حيث معنى الأمومة لكل امرأة فكيف تكون المرأة نصفاً بعد ذلك! إذ كان حجرها لنا مسكناً في الصغر وكان قلبها وذاتها سكناً لنا في الكبر.. فكيف لا تعني لنا شيئاً كثيراً وكبيراً!!.
آمل أن لا يقطب جبين الرجل مستصغراً نفسه أمام هذه المعاني.. ولكنها الحقيقة التي نعتقدها أن أي مشاكسة بين أو محاولة تنم عن استصغار رجل لامرأة أو العكس أنها تقوض المجتمع بأسره.
.. إنها المخلوق الذي غالباً ما يسمو على امتيازاته الشخصية لتحقق للإنسان (وليدها) جواً من الأنس والأمان، إن إقراع الرسول صلى الله عليه وسلم بين زوجاته لتخرج معه إحداهن تخوض غمار معركة يعكس عمق الأثر الذي تلعبه المرأة في الحياة.. إنها رافد طمأنينة ونصر!
.. إن قراءتي من خلال تخصصي لواقع المرأة في الغرب أكدت لي أن حركات التحرر أو التفسخ كان أحد عوامل ظهورها شعور وإشعار المرأة بالتهميش والصغار!.. وقد كنت بريئاً حينما ناقشت أستاذة لي في أمريكا- من قيادات الحركة النسائية- بالقول (أوتلاكم المرأة المرأة) ؟!، فقالت وما وجه الغرابة!! ألا يفعل ذلك الرجل؟!! فخجلت حينما علمت بأن هذه المسألة لديها مسلمة فكل ما يفعله الرجل يمكن أن تفعله المرأة ولا فرق!، لكنني قلت في نفسي (أعان الله النساء) فكل ما سيفعله الرجل سيفعلنه!، هذه في تصوري (تبعية وليست مساواة)!!، ذلك أن التميز والإبداع أن تفكر وأن تعمل شيئاً تحقق من خلاله ذاتيتك لا أن تشعر بتلبس أو تقمص شخصية رجولية إذا كنت أثني أو أنوثية إذا كنت رجلا!!
وبالصدفة خرجت من قاعة الجامعة في عز الظهيرة فرأيت عدداً من النساء (يقطرن) عرقاً لأنهن يعملن في تجديد الأسفلت لمدخل الجامعة، وسواد المادة السوداء تتقاطر من بين أيديهن!! فقلت في نفسي يجب أن (ألزم الصمت) ولا أحرك شفتي لا باستغراب ولا بضحك ولا بإعجاب لأنني في الحقيقة لا أعلم مكنون هاته العاملات ومشاعرهن (أمن باب الرضى والاقتناع أم من باب العناد والمساواة؟!!) فأكملت المسير الى حيث المجتمع كله (أم عبدالله) .
.. إن الواقع الغربي كما رأيته لا يعيش فقط صراع الذكورة والأنوثة، بل حدة بين أجياله.. بين شبابه وشيبه صغاره وكباره كل يحسب للآخر (أن وجوده على حساب وجوده) ، فالعامل الفتى يرى أن (العجز) يأكل من كسب يده فيحقد عليه، والصغير يرى بأن الكبير لا ينفق عليه ما يكفيه ضمانا لمعيشته أيام عجزه.. بل وصل الأمر الى التوقف عن الإنجاب تفادياً لمشكلة الإنفاق!.. والاستعاضة بالحيوان أحياناً عن الإنسان، وقد شدتني عبارة لمسنة كانت تعلمنا اللغة كتبت على لباسها (كبيرة ولكن منتجة) .. وهذه عبارة تعكس عمق المأساة التي يستشعرها الإنسان هناك.. وتلك حقائق يقف عليها من يدرس عام الاجتماع.أملي أن لا يستجيب واقعنا لمعضلة الواقع الغربي خصوصاً مع ضغوط الواقع وتصدير المشاريع الغربية في عصر الهوان، وأملي الأكبر أن لا يكون لجدلية الذكورة والأنوثة في واقعنا مكان.. فتلك منتج غربي، وعربي جاهلي فمن يريد للمرأة أن تعمل كل ما يعمله الرجل فيه شبه من الغرب، ومن يمنع المرأة من أن تمارس حقها في الحياة المشروعة ففيه شبه بجاهلية العرب.
.. وإذا ما أردنا للمرأة حياة كريمة فلنشعرها قولاً وفعلاً بذلك حتى لا يكون لكل من يريد الجناية عليها أي مدخل على شرف حياتها وكرامته.
إن الحياة ليس لها طعم ولا لذة ورائحة حينما يشعر الإنسان بالصغار رجلاً كان أو امرأة.. ولا معنى للحياة لأحدها دون الآخر. وخير البشر اشار الى أن خير الناس خيرهم للمرأة (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وأمام هذه الحقيقة، كل الحقوق للمرأة لا تعني شيئاً مع العقوق،،، وللمرأة والرجل تحياتي.
|