قد يحتاج مروان البرغوثي, القيادي الفلسطيني, إلى عمر مضاعف أربع مرات حتى يتمكن من الوفاء بمدة الحكم الجائر الذي أصدرته عليه إسرائيل أمس, غير أن إسرائيل وهي تفعل ذلك, وتفعل ما هو أقسى منه وتقتل يومياً وتدمر منازل الأبرياء, تبقى بمنأى عن أي محاكمة, رغم أنها تغتصب الأرض وتفتك بالسكان وتعتدي على دول الجوار..
لقد حاكمت إسرائيل في البرغوثي وجهاً فلسطينياً معتدلاً انتهج الوسائل السلمية من أجل الإسهام في النضال لتحرير بلاده, ولهذا فإن محاكمة البرغوثي تعتبر محاكمة لكامل النضال الفلسطيني, وهو أمر لا تملك إسرائيل حق البت فيه, فهي كقوة احتلال غير مؤهلة بموجب القانون الدولي لإجراء مثل هذه المحاكمة, فلن تكون الخصم والحكم في ذات الوقت.
لقد نجح البرغوثي في تحويل المحاكمة من مجرد قضية أمنية, كما أرادت لها إسرائيل, إلى مسألة سياسية, جرى خلالها على لسان البرغوثي إيراد مبررات النضال ضد قوة محتلة غاشمة, ولهذا فإن إسرائيل التي تملك كل مقومات البطش والجبروت رأت أن تنتقم من كامل هذا الشعب الذي يقاومها بجسارة في شخص البرغوثي..
وستجد إسرائيل أنها تخطئ كثيراً بإصدار هذا الحكم الجائر, ومن خلال توجيه نيرانها إلى الرموز الفلسطينية المشهود لها باتباع وسائل في النضال تؤكد الخيار السلمي..
صحيح أن إسرائيل لا تهتم بما يقال ولا بسيل الإدانات الدولية ضدها، لكن من المؤكد أنها تسمح من خلال نهجها المتسلط هذا في بناء وتمتين المواقف الدولية المناوئة لها خاصة في ظل موجة الغليان الدولي من اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني, وبالذات موجة الاغتيالات الأخيرة التي استهدفت القيادات الفلسطينية.
وتجتاح العالم الغربي خصوصاً, هذه الأيام حالة من الاحتجاجات من أمريكا إلى أوروبا ضد السياسات الأمريكية بما في ذلك الحرب الأمريكية ضد العراق, وقد حرص المتظاهرون بصفة خاصة على إلحاق الوضع الفلسطيني بحركة الاحتجاجات حيث يجري التنديد بالدعم الأمريكي لإسرائيل, إلى جانب مطالبة إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، لأن من أبرز السياسات الأمريكية وقوف واشنطن إلى جانب العدوان الإسرائيلي وتشجيعه، إلى الدرجة التي أصبحت فيها السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل عنواناً لسياسة أمريكا الخارجية وأبرز ملامحها.
|