يكتسب الاحتفال بعبور 100 مليون مسافر على جسر الملك فهد منذ افتتاحه عام 1986 معاني ودلالات مهمة، نظراً لما يمثله الجسر من قيمة متزايدة في حياة كل مواطن خليجي باعتباره أحد المنجزات الحضارية الكبرى التي شهدتها المنطقة في العقدين الأخيرين.
لقد أضحى الجسر الذي يعتبر أهم جسر بحري في العالم، ويمتد على مسافة 25 كيلو متراً رمزاً وشاهداً على عمق علاقات أخوية ضاربة جذورها في عمق التاريخ بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين كأسرة واحدة وشعب واحد في كلا المملكتين الشقيقتين منذ أن أسسها الآباء والأجداد على قاعدة صلبة راسخة، ويحرص الأبناء دوماً على أن تزدهر وتتواصل في ظل ما يجمعهما من أواصر الدم والنسب ووشائج القربي ووحدة الهدف والمصير.
إن الفخر والاعتزاز الذي يشعر به كل مواطن خليجي بوجود مثل هذا الصرح لا ينصب فقط على الفوائد الاقتصادية واختصار عناء السفر والزمن، وإنما لأن للجسر أيضاً أبعاده الحضارية وخصائصه المليئة بالعبر والدلالات، فهو: أولاً يغلب حقائق التاريخ القائمة بين قيادتي وشعبي المملكتين على واقع الجغرافيا حيث امتدت علاقات البلدين وصلاتهما بلا انقطاع على مر العصور والأجيال تعاوناً وتوافقاً، وفي هذا السياق تجدر الإشادة بالدور الذي تقوم به المملكة العربية السعودية في نصرة القضايا العربية والإسلامية، حيث لا تدخر جهداً في ذلك من خلال تسخير كل إمكاناتها السياسية والمادية لدعم ومساندة الأشقاء في كل مكان.
ثانياً: يعبر الجسر عن حالة تجانس وتفاعل خلاق بين حضارتين وصلاً واتصالاً فالسعودية هي مهبط الوحي وأرض الرسالة ومبعث الانطلاقة الحضارية للأمة الإسلامية، فضلاً عن ثقل إقليمي ودولي كبيرين، وفي الوقت ذاته كانت البحرين منذ القدم مركزاً تجارياً وبحرياً مزدهراً بين الشرق والغرب، عاشت وازدهرت بين جناباتها ثقافات وشعوب مختلفة، ومسرحاً للتفاعل البشري الإيجابي المستمر، وبالتالي فالجسر يمثل شرياناً حضارياً بين أشقاء تجمعهم كل معاني المحبة والأخوة والوفاء.
ثالثاً: يشكل الجسر جزءاً رئيسياً وفاعلاً في واقع العلاقات بين البلدين باعتباره معبراً للأفكار والقيم الحضارية والترابط بين الماضي والحاضر، حيث يقف كشاهد على إرادة قيادتي البلدين في ترجمة هذه المعاني النبيلة السامية إلى مصالح ومنافع متبادلة من أجل ترسيخ العلاقات الأخوية الوطيدة لما فيه منفعة الشعبين الشقيقين.
رابعاً: يعكس الجسر آمال وطموحات القيادتين والشعبين الشقيقين في زيادة أوجه التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي البناء، فضلاً عن التواصل والتقارب الاجتماعي في إطار المنظومة الخليجية التي تكتسب أولوية متقدمة في تحركات الدبلوماسيتين البحرينية والسعودية كونها تمثل الامتداد الطبيعي والحيوي للبلدين، وانطلاقاً من هذه الحقائق، يشكل الجسر إنجازاً عصرياً على طريق إنجازات الوحدة الخليجية ويبرهن على عمق التواصل الحضاري والأخوي، فالمغادر من البحرين أو السعودية ينتقل عبر هذا الجسر حاملاً معه كل الحب والتقدير لأشقائه في الجهة الأخرى وكأنه يعيش في بلده ينعم وسط إخوته بالأمن والأمان والمحبة والرخاء فلا حدود تفصل بين الأشقاء ولا قيود تحول دون ارتباطهما، فالجسر واحد،و القلب واحد، وفق ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله بأن ما يجمع البلدين الشقيقين، هي "علاقة وجود لا علاقة حدود" وهو ما أكده أخوه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى بأن حدود البحرين هي الرياض وحدود الرياض هي البحرين كتعبير عن حقيقة أن السعودية هي العمق الاستراتيجي للبحرين ولبقية دول الخليج.
ومن هنا فإن جسر الملك فهد يمثل أحد المشروعات الخليجية العملاقة التي دأب الجانبان البحريني والسعودي على إنشائها ورعايتها، حتى أصبح أحد معالم وعوامل النهضة الخليجية الحديثة، إضافة إلى كونه أحد المحركات الرئيسية لتنشيط التعاون الاقتصادي بين المملكتين والإسهام في تعزيز التكامل الخليجي، ونؤكد في هذا الصدد على ثلاث نقاط أساسية هي:
الأولى: الإسهامات الكبيرة المباشرة وغير المباشرة للجسر في ازدهار الحركة السياحية بمملكة البحرين خاصة أن 94% من عدد السياح الذين زاروا البحرين وفدوا إليها عبر الجسر، ويكفي في هذا الصدد أن نشير إلى ارتفاع عدد السياح القادمين إلى المملكة بنسبة تقترب من 400% سنوياً خلال السنوات ال (18) الماضية حيث زادت أعدادهم من 94 ألف سائح عام 1985 إلى 6.2 مليون سائح عام 1998 قبل أن تقفز أعدادهم إلى 5.4 مليون سائح عام 2003 يشكل القادمون من دول مجلس التعاون الخليجي ثلاثة أرباعهم وكان للأخوة السعوديين النصيب الأكبر بنسبة 60% من إجمالي عدد السياح.
وارتفعت مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بشكل متسارع إلى أكثر من 8.10% من إجمالي الناتج المحلي، الأمر الذي أسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني وتوظيف العمالة البحرينية، في ظل الدور المحوري للقطاع السياحي في عملية التنمية الشاملة لما يتميز به من روابط تسهم في تنمية بقية القطاعات الاقتصادية المختلفة كقطاع التجارة والفنادق والمطاعم والمصارف والنقل والمواصلات والاتصالات.
الثانية: الدور الذي لعبه الجسر في زيادة التقارب والروابط الثنائية بين البحرين والسعودية في ظل ما أحدثه من سهولة في الانتقال مما فتح آفاقاً جديدة في العلاقات التجارية والاقتصادية، من خلال تأسيس المشاريع المشتركة، وتشجيع التجارة البينية، عبر إزالة أية معوقات قد تواجه حرية تبادل السلع والخدمات وتسهيل انتقال رؤوس الأموال بين البلدين، تنفيذاً لما تؤكد عليه قيادتا البلدين على كافة المستويات.
الثالثة: أن جسر الملك فهد قد نجح في الانتقال بالمنطقة الخليجية عموماً نحو مرحلة جديدة من التكامل والترابط والوحدة، باعتباره أكبر المنافذ قدرة على تشكيل قوة دفع كبيرة على طريق تحقيق المواطنة الخليجية الكاملة المنشودة من خلال المساواة في المعاملة والتنقل والإقامة والعمل والاستثمار والتعليم بين مواطني دول مجلس التعاون، فضلاً عن تنشيط التبادل التجاري وتعزيز السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد النقدي والاقتصادي، وتشجيع التكامل الخليجي في سوق السلع والخدمات.
لقد شهد الجسر خلال السنوات الماضية، الكثير من الإنجازات والمشاريع التجميلية والتطويرية التي ربطت بين البلدين الشقيقين معززاً لأواصر التلاحم والروابط بشتى مجالاتها، فهناك مشاريع مستقبلية قيد التنفيذ في الوقت الراهن ستؤدي إلى تحويله إلى منطقة سياحية تتضمن مراكز تجارية ومكاتب الخدمات التي تقدم الخدمات للمسافرين ومرتادي الجسر كمكاتب السياحة والبنوك ومكاتب تأجير السيارات والمطاعم .. وغيرها، فضلاً عن المراكز الترفيهية خاصة بعد الحصول على الموافقات المطلوبة لتوسعة جزيرة الحدود، كما أن التوجه الحالي للبلدين السعودية والبحرين هو الاستفادة من الجسر كونه يمثل نقطة سياحية من خلال تنفيذ مشروعات سياحية واستثمارية لاستقطاب أعداد كبيرة من الزائرين والمواطنين في دول المنطقة.
ولا غرو أن قرار إلغاء ختم الجواز الذي بدأ العمل به على منفذ جسر الملك فهد، وتنظيم إجراءات التنقل وتسهيلها وتيسير إجراءات السفر وتخفيف نسبة الازدحام على الجسر اعتباراً من 28 أغسطس 2003 يعد خطوة جديدة ومتميزة في مسيرة التكامل والإخاء بين البلدين الشقيقين مما أدى إلى زيادة مطردة في عدد المسافرين والعابرين حيث بلغ المعدل اليومي للمسافرين للعام الحالي حوالي 28000 مسافر يومياً.
ولا يسعني بهذه المناسبة إلا أن أتوجه بأسمى آيات الشكر والتقدير والامتنان إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، وأخيه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظهما الله وحكومتيهما الرشيدتين بما يتحقق من إنجازات واعدة لصالح الشعبين الشقيقين.
( * ) وزير الإعلام بالبحرين |