100 مليون مسافر حملهم جسر الملك فهد بين السعودية والبحرين منذ أن تم افتتاحه رسمياً في العام 1986م.. كلما دققت في هذا الرقم الكبير حقاً أدركت حقيقة أن جسر الملك فهد لم يكن يوماً مجرد معبر بين دولتين من الأسمنت والحديد فقط.. وكلما عبرت على هذا المشروع العملاق ذهاباً أو جيئة راحت ذاكرة الأيام تمر في مخيلتي كأنها شريط سينمائي عندما كانت السعودية والبحرين معزولتين بهذا الممر المائي بالرغم من أواصر القربى بينهما.. وكيف كان أهل المملكة العربية السعودية يركبون القوارب الصغيرة معرضين أنفسهم لخطر الغرق ويفعل مثلهم أهل مملكة البحرين كلما أراد هؤلاء أو هؤلاء رؤية الأهل والأصدقاء هنا أو هناك.. أو كان السفر بالطائرة بديلاً غير مستحب نظراً للتكلفة وإجراءات السفر المعقدة التي يعرفها الجميع.
أبداً لم يكن جسر الملك فهد مجرد كوبري يحمل الأجساد فقط.. بل كان دوماً رابطاً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً بين البلدين. لقد دشن الجسر علاقة متينة بين البلدين وبين الشعبين تمتد إلى حضارة «دلمون» القديمة والتي كانت تشمل أجزاء كبيرة من شرق السعودية وصلت حتى الأحساء، كما أنها تمتد إلى عصر الرسول الكريم عندما أرسل عامله إلى شعب البحرين فاستقبلوه أحسن استقبال، لقد أعاد الجسر اللحمة بين الشعبين التي لم تنقطع يوماً بسبب مجرد عائق مائي.
وإذا نظرنا إلى فوائد الجسر العديدة، فعلى المستوى الاجتماعي نجد أنه وثق العلاقات بين الأسر والعائلات في البحرين والسعودية وخاصة في جانبها الشرقي وطوى المسافات بينهم فنجد علاقات المصاهرة والزواج والأفراح تمتد لتشمل الجانبين.. وليس من الغريب أن يتناول الزوج طعام الغداء في منزله بالبحرين ثم يتناول العشاء في منزل أهل زوجته في الدمام أو الخبر أو الأحساء ونفس الحال بالنسبة للزوجة، وليس من الغريب أن يلتقي الأصدقاء من الدولتين كل أسبوع هنا وهناك فلا فرق.. بل ليس من المستغرب أن يضرب صديقان سعوديان موعداً بينهما على مقهى في شارع المعارض بالبحرين.
وإذا نظرنا إلى الفائدة الاقتصادية فربما وأنت واقف على الجسر تدرك هذا الأمر من خلال السيارات والشاحنات القادمة من البحرين إلى السعودية والعكس والتي تكون غالباً محملة بشتى أنواع البضائع.إن جسر الملك فهد والذي يعد من أعلى الجسور في العالم إذ يبلغ طوله 5.15 كيلومتراً مشروعٌ عملاقٌ تم تخطيطه وتنفيذه بعقلية نافذة ومستشرفة للمستقبل.. عقلية تعي أن العالم كله أصبح قرية.. وأن العالم كله يسعى للتوحد وإزالة الحدود أو حتى قهرها إن كانت طبيعية مثلما هو الحال في العائق المائي الذي كان يفصل بين المملكتين .. إن قادة البلدين أعادوا رسم الخريطة الجغرافية وسخروا العلم والمال من أجل سعادة ورفاهية الشعبين وعودة أواصر اللحمة والتي كان يقف 5.15 كيلو متراً من ماء البحر عائقاً أمامها.
إن جسر الملك فهد أكبر من أن يكون مجرد ممر بين البلدين.. إنه أكبر من كل هذا.. فهو كما قال الشاعر «لحمة بين حبيبين التقيا.. بعد أن ظنا أن لا تلاقيا».
الشيخ عيسى بن علي الدوسري
نائب شيخ قبيلة الدواسر |