أخي العزيز الأكاديمي والكاتب المتمكّن، الدكتور محمد القنيبط.
تحية وتقديراً.. وبعد،
فإنّني أتابع بحرصٍ منذ حين ما ينْقشُه يراعُك الساخنُ من (اكاديميات) على صفحات (اليمامة) الغرّاء، متنَاولاً في معظمها همُومَ التنمية الوطنية والفاعلين لها والمؤثِّرين فيها، سَلْباً او إيجاباً.
**
ويعلم الله أنّني فكرّتُ أكثرَ من مرة في كتابة هذه الرسَالة عما يُسرِّه الخاطرُ حول بعض (أكاديمياتك)، لكن المحاولةَ كانت تحبطُها حيناً وساوسُ النفس، خشيةَ أن يُساءَ فهمُ مقَاصِدها، وحيناً آخر، يتضَاءلُ العزمُ على كتَابتها، أمام نصائح إخوة كرام لي بالعدُول عن الفكرة، خشيةَ أن أثِيرَ (حفيظة) قلمك الرائع، فينالني منه ما ينالني!
وقد حسَمتُ مؤخّراً الجَدلَ مع نفسي ومع (الآخر)، فقرّرتُ أن أكتبَ لك هذه الرسالةَ أخاطبك من خلالها بلغةٍ حانيةٍ في إيقَاعها، عَاقلةٍ في طرْحها، عَادلة في مقَاصِدها، تليق بك سِمةً وسَمْتاً ومقاماً.
آمل، بعد هذه المقدمة المتواضعة، أن تمنحني أيّها العَزيزُ من رحابة صَدرك وأريحية ظنّك ما يسهل مهمةَ هذه الرسالة ويبْلِغُها غايتَها، وأستأذنكَ، بالدخول في صلب الموضوع، فأقول متسائلاً بدءاً:
أولاً: ما علاقة (الأكاديميا) بما تكتب، إذا كانت (منهجيتك) في الطرح لا تلتزم دائماً ب(بروتوكولات) (الأكاديميا) وبديهياتها، عرضاً وتحليلاً واستنتاجاً؟ فأنتَ أيها العزيز، تستضيفُ في (اكاديمياتك) أفراداً أو جهاتٍ عبر وجبات ساخنة لقلمك الجميل، ثم تحْصبُهم بوابلٍ من شوارد القول لتغدو أنت بذلك الخصمَ والجلادَ والحكمَ؟! فإذا استجَاب لك أحدُهم أو (تفاعل) معك بالردّ عليك، موضِّحاً لك ما لم تكن تعلم، عُدتَ إلى الكرّ والفرّ من جديد مصراً أن الحقّ معك ولك!
**
ثانياً: مرة أخرى، يعْصف بالذهن سؤال آخر أكثر تردّداً وتمرداً: لماذا يصرُّ أديبُنا الأكاديمي المتمكِّن، الدكتور محمد القنيبط، على انتهاج المواجهة السَّاخنة جداً، حيناً، والسَّاخرة جداً حيناً آخر، مع معظم مَنْ يدعوهم إلى مائدته الاسبوعية في مجلة (اليمامة)؟ صحيحٌ أن هناك من القضَايا ما يُقلق العقلَ ويأسرُ الوجدان، وحين يتَعامل كاتبٌ ما بضميره وقلمه مع بعض تلك القضايا كما تفعل أنت، يصول حرفه ويمور حماساً وانفعَالاً، ورغم ذلك، يُفْتَرضُ ألا يبلغ العصْفُ الفكري حَدّاً لا يعودُ الكاتبُ معه يميّز بين الخيْط الأبيض من الخيْط الأسود في آفاق الفكر، فيلْعن الظلام لعْناً، بدلاً من أن يضيء شمعةً تقهر جُزْءاً من ذلك الظلام، ويتحوّلُ مدادُ البناء في قلمه إلى (بازوكا) تُحرِقُ ولا تُضِيءُ، وتُفْسِد ولا تُصْلح!
**
ثالثاً: إنّني أيها العزيز أنزّه قلمك أن يكون مدادهُ باروداً، لا قَبَساً من نور، فأنت ترومُ النموَّ والصلاحَ لبلادك، وتَتَمَنَّى زوالَ كلّ ما يعوقُ نموَّها وصَلاحَها، في الأجليْن القريب والبعيد، لكنّك يا سيدي (تقسُو) أحياناً بإسلوبك السهل الممتنع قسوةً لا يُسوِّغها المناخُ الأكاديمي ولا السِّياق الموضوعي، لتَدْنوَ بذلك من شفير(النار)، وقد تختلطُ في أذهان المتلقّين لعَطاءِ حرفك الوسَاوسُ حول مقَاصِدك، فيظنَّ بك مَنْ لا يعرفُك منهُم الظّنُون!
**
رابعاً: إنني ومعي نفرٌ كُثْر ممّنْ يعرفونك ويقدِّرُونك، نعلمُ حقَّ العلم أنك سوي الطبع، وديعُ السلوك، ودُودُ الكلام، قليلُه، وأنك لا تضمر بإذن الله فيما تَكتبُ (اجندا) تبتغي بها (تصفيةَ حسَاب) مع أحد، أو (اقتطاف شهرة) على حساب أحد، بل إنّ من يلقَاك أو يستمع اليك عَبْر المجالس الخاصة لا يكاد يصدِّق أنك ذاك الكاتب الذي ينامُ ملءَ جفُونِه عن شَوارد (اكاديمياته)، ويَسْهر الخلقُ جراها ويختلفُون!
**
خامساً: وأخيراً..
أرجو ألا تُحْبطَ عطاءَك هذه الرسالةُ، بزلَلٍ في فهم مقَاصِدها، فهي (شحنة) من نور تسيِّره المحبةُ، يتقاسَمُها الإعجابُ بك والعَتَبُ عليك.
* أما الاعجابُ، فلأنك تُشْغِلُ وتُشْعِلَ ذهنَك ووجدانَك بحبّ وهُموم وطنك، وما أحوج هذا الوطن إلى أمثالك في زمننا الراهن!
* أما العَتبُ فلأنك تُطْلق أحيَاناً لقلمك الرائع العنَانَ ليُحْدِثَ في تُخُوم الحرف حُفَراً يَتَطايرُ منها الشَّرَرُ، ويصيبُ أذاه مَنْ يصيب!
هذا هو لبَّ هذه الرسالة أيها العزيز ومعنَاها، وفيمَا عَدا ذلك، أرجو لك السداد دائماً قَوْلاً وحَرْفاً وعملاً!
|