من اخترع (التوصيات) تصور ذاته ماهرا في صنع الوصفات السحرية التي تطيل أمد بعض الاجتماعات المؤسفة واللقاءات الفاترة والمؤتمرات الفاشلة، لكن هذه الوصفة لا تذهب بعيداً، لأنها مجرد مسكن لبعض صداع النقاشات والمداولات التي يرى البعض أنها جادة، في وقت يدرك البعض الآخر أنها مجرد أحاديث وحبر وورق وتوصيات.
فأي اجتماع يمكن أن تتعرف على مستوى (بَكَشه) بمقدار توصياته التي ترد على هيئة إيحاءات وهمية بالنجاح، وإشارات محلقة بالتطور، وتتويج مزعوم لعنصر الفرادة، لأن الحقيقة -في ظل هذا الادعاء- تعجز عن شرح ذاتها وإبراز جوهرها، فلم تكن يوماً بحاجة إلى هذه التوصيات التي تذهب أدراج الرياح عقب كل لقاء.
(الحقيقة) هي الجواب المهم في هذه التوصيات هذا الإطناب التشاوري والإطالة الحوارية والتجاذب الهلامي للعديد من القضايا التي لا تجد لها طريقاً نحو النسيان إلا من خلال التوصيات التي تزعم كثيراً بضرورة هذا وأهمية ذاك في وقت لم تجرؤ هذه الاجتماعات، وما يتبعها من توصيات أن تقدم الحقيقة، ولو بنسبة قليلة، لأنها هي الضمان الحقيقي في هذا السياق.
في ظل هذا المنظور تظل (التوصيات) هي الاختراع الذي لا يقدم أو يؤخر بل نراه يطيل أمد الحوار دون فائدة، ويعلق القضايا دون حلول، ويشنق الوقت ويراكم الوهم حتى يصبح الواقع على هيئة تلين كبيرين من الورق، واحد للاجتماعات والآخر للتوصيات التي نزعم أحياناً - للأسف- أنها مهمة.
|