عندما يمتطي العاطلون عن الإبداع جواد الهوى، أو يبحرون في مركب المصطلحات الرنانة، فإنما يقصدون من وراء ذلك الفتنة والشقاق، وشرخ الصف المرصوص الذي وضع لبنته الأولى موحد هذه البلاد ومؤسسها وبانيها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- طيب الله ثراه-، ثم جاء أبناؤه البررة من بعده، فحافظوا على الغرس الطيب الذي أنبت دولة الإيمان والشريعة السمحة والرفاهية الدنيوية التي تأخذ بأسباب النهضة والرقي والتقدم خدمة للمواطن السعودي الذي بادل قيادته حباً بحب، وولاءً بولاء، وأخلص لدينه ووطنه، ورفض شتى محاولات التغريب، وتصدى للجعجعة الإعلامية التي تبثها قنوات خبيثة ما فتئت ترشقه بسمها الزعاف الذي أجادت صناعته الآلة الإعلامية الصهيونية في مسعى منها لإحداث الشرخ في البنيان المتين حتى يسهل أمامها تنفيذ مخططها الخبيث في استباحة حوزة الدين، وسلخ الكرامة الإنسانية التي هي سلاح المؤمن الكيّس الفطن، وتفتيت وحدة الشعب السعودي الذي بات يمثل نموذجاً حياً للحضارة الإسلامية.
ولله الفضل والمنة أن ميّز هذه البلاد وأهلها باحتضان خاتم رسالاته والاعتزاز بتحكيم شريعة الله، وهي السمة التي ميزت هذه البلاد الطاهرة حيث منذ تأسيسها، ومازال قادة هذه البلاد- رعاهم الله- محافظين على هذا التفرد والاعتزاز بتحكيم شرع الله، وفي بلد كهذا لديه من الخصوصية ما يشعر أهلها أنه منة وكرم من الباري عز وجل يتعجب المرء كرات في مرات أن تنطلي على من يدعون المعرفة والثقافة والخبرة (حيلة مصطلح الإصلاح) الذي قذف به الأعداء كطعم لإيقاع الفريسة في حبائلهم الشيطانية، خاصة ونحن نتعايش مع فترة حرجة صاغ واقعها وحدد اتجاه متغيراتها لاعبون مؤثرون على الساحة الدولية، وإلا فلماذا فجأة ودون سابق إنذار تترى علينا المصطلحات متوافقة جداً مع الحملة الشيطانية التي تشنها ذات الجهات على المملكة العربية السعودية ودينها وإنسانها وعروبتها وشعبها وتقاليدها؟!، هل يريدون أن ينسلخ الجميع من جلدهم الذي هو سبب بقائهم في الكون على نحو من هذا الألق والتميز بين شعوب الأرض حسداً من عند أنفسهم، وقديماً كان في الناس الحسد؟ لكن كيف يمكن أن نجد عذراً عندما تأتي الطعنة لهذا البلد من أبنائه الذين رضعوا خيراته، وتشرفوا بالانتماء له؟ لعل ما يؤسف له حقاً أن يجد الأعداء والمتربصون من أبناء هذا البلد شخوصاً قصيري البصر والبصيرة فيترنموا لأعداء المملكة وفقاً لما يشتهون ويطربون، وما هذا الذي يحدث بين فينة وأخرى إلا نتاج لحركة الجرثومة التي حاول أعداؤنا إدخالها في جسد الشعب السعودي المعافى، ولكن هيهات لهم أن ينالوا مثقال ذرة من أحلامهم التي يحلمون بها، فقد تعامل مع أراجيفهم قادتنا الأوفياء الذين تحملوا المسؤولية العظيمة لرعاية الأمة، وتحضرني كلمات سامية أدلى بها سمو سيدي صاحب السمو الملكي الأمير الفارس سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، حيث تسعفني الذاكرة بحديث سموه عن الجمعية السعودية لحقوق الإنسان الذي قال فيه:( إنها جمعية وطنية أنشئت لخدمة المواطن ورفع المظلمة عن المظلوم، ولتأخذ للمظلوم حقه من الظالم سواء كان من رجال الدولة أو غيرهم، وهي أنشئت بتوجه كريم للمحافظة على المواطن، ولم تأت بضغوط خارجية، كما يحسب الذين يظنون بنا السوء، بل جاءت من أجل التعريف بما في ديننا الإسلامي من تعاليم إنسانية، ولتعمل على كل ما فيه تحقيق لمصلحة المملكة وصالح المواطن)، وتعد هذه الجمعية نقلة جديدة ضمن النقلات الكبرى التي تشهدها المملكة نحو التقدم والرفاهية، حيث تهدف إلى حماية وصيانة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية بهدف تهيئة البيئة الملائمة لحياة كريمة ينعم بها المواطن والمقيم على أرض الحرمين الشريفين.
وكما يتضح للجميع أن حقوق الإنسان في فكر الأمير الإنسان سلطان بن عبدالعزيز بل وفي فكر قادة هذه البلاد جميعاً تقوم على عدد من الأسس المهمة:
الأساس الأول: أنها مؤسسة على العمق الديني الذي يجعل الوفاء بهذه الحقوق واجباً شرعياً، يجب على كل مسلم أن يحرص عليه، وأن يلتزم به بحسب مسؤوليته وقدرته.
الأساس الثاني: أن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية تأتي استشعاراً للخصوصية التاريخية لهذه الدولة الكريمة التي قامت على أساس التوحيد والعدل، حيث استطاع المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز آل سعود بهذا الميزان أن يستولي على القلوب قبل الأبدان لصنع معجزة توحيد هذه البلاد مترامية الأطراف.
الأساس الثالث: أن حقوق الإنسان في هذه البلاد مرتبطة بحقوق الراعي والرعية، وقد كان حديث أمير العدل سلطان بن عبدالعزيز واضحاً في هذا الشأن بأن الدولة لن تألو جهداً في إعطاء كل ذي حقه حقه، ورفع الظلم عن المظلوم حتى وإن كان الظالم من رجال الدولة، وما إنشاء هذه الجمعية إلا تأكيد لحضور الإنسان السعودي بوعي متجدد تجاه حقوقه الإنسانية.
الأساس الرابع: أن تأسيس جمعية لحقوق الإنسان ليس اختراعاً لمبدأ مفقود وإنما كان استجابة لضرورات العصر ومتطلباته ومواكبة التنظيمات الدولية بما يناسب الخصوصية الدينية لهذه البلاد وعاداتها وتقاليدها العربية الأصيلة التي تأبى الظلم، وتحث على نصرة المظلوم، فالدين الحنيف حفظ للإنسان كرامته وحقه قبل أن يولد وعند ولادته وفي طفولته.
وطالما الشيء بالشيء يذكر دعونا هنا نلقي نظرة على مجتمعات عدة لها الحقوق السياسية والمدنية في وطن غير وطنها، وثقافة غير ثقافتها، ومع ذلك تعاني من فقدان الانتماء للوطن الحقيقي الذي يحتضن أحلامها وأحلام أجيالها المتعاقبة مما دفعها إلى تمني الوطن وجحيم الدكتاورية على نعيم حقوق الإنسان الوهمية التي ترسم معالمها ثقافات وتجارب تصاغ مكوناتها في بيئة لن تحقق لهذه المجتمعات آمالها في ظل معطيات واقعها الاقتصادي والجغرافي، كما أن التسابق إلى المطالبة بحقوق الإنسان، كما تحددها الثقافات والتجارب الغربية دون الأخذ في الاعتبار خصوصية الثقافة الوطنية قد يؤدي إلى إقرار منهج وهمي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، كما هو حاصل في الكثير من البلدان النامية على الرغم من تعدد الأحزاب الوهمية وحرية التعبير، ولسان حالهم كما ذكر الشاعر:
ما كُلُّ مَنْ صفقت كفَّاه محتفلاً
ولا على كلَّ غُصنٍ يطلع الثمَرُ
ستبقى كلمات الأمير سلطان بن عبدالعزيز نبراساً يضيء عتمات الليل المدلهم ويذهب غشاوة الضباب التي رانت على قلوب بعض من أبناء هذه البلاد بفعل دعايات التضليل، ويبقى باب التوبة مفتوحاً حتى يتدارك المنحرفون العودة إلى جادة الصواب، وسيبقى التلاحم المهيب بين شعب المملكة وقيادته مشاعل نورانية تفضح زيف المتربصين المغرضين الذين تبددت أفكارهم المعتمة قبل أن تدخل في متاهات صحراء الجزيرة العربية، وعجزوا أن يزرعوا الفرقة والشقاق بين الرمل وعاشقيه، وبين الراعي ورعيته، وبين السلام ومريديه، وبين الحضارة ورائديها، ولم ترتدع أبواقهم حتى وهم يعلمون أنهم:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها
فلم يضرها، وأوهى قرنهُ الوعلُ |
لقد بات لزاماً علينا جميعاً أن نقف وقفة تقدير وعرفان لحكومتنا الرشيدة وعلى رأسها مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- حفظه الله-، الذي يحرص دوماً على إصدار الأنظمة والتعليمات لكل ما فيه نشر للعدل وتحقيق للمساواة، حيث يوجه الفهد بحكمته وسداد رؤيته المسئولين، ويتابع بنشاط همته وتصميمه كل ما يعود بالخير والرفاهية على الوطن والمواطنين تنفيذاً لتعاليم الدين الحنيف، وسيراً على خطى سلفه الصالح، ويسانده ولي عهده الأمين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الذي لم يأل جهداً في متابعة مسيرة الخير والحض عليها، وبذل كل غال في سبيل رفاهية الأمة، وتحقيق العدل بين جميع أبناء الشعب، ويساندهما في مسيرة الحق دوماً الأمير الفارس سمو سيدي صاحب السمو الملكي أمير الخير والعطاء سلطان بن عبدالعزيز الذي نذر فكره وجهده ووقته وماله، وما ملك من حكمة وسداد رأي في الإشراف والتوجيه، وفي متابعة كل أمر يعود بالخير على الوطن والمواطن، وقد سعدنا بتصريحاته التي حددت معالم الطريق لدولة العدل والإنصاف، وستبقى قلوبنا عامرة بالحب والوفاء لهذه القيادة المتصلة الجذور الباسقة الأغصان الواضحة الأهداف، النبيلة الوسائل، ولنكن جميعاً نموذجاً للوفاء والولاء لهذا البلد وقيادته المتمكنة الواثقة، وعلينا التصدي لمحاولات المغرضين وصد ادعاءاتهم الباطلة من وجود فجوة وهمية بين الوطن وقيادته، ولترتفع أكفنا إلى السماء داعين الله أن يحفظ قادتنا وكل من سار بركبهم الكريم، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء، وأن يمدهم بجنود من عنده لمواصلة السير خدمة لدين الله وتحقيقاً لخير هذه الأمة، كما ندعوه سبحانه أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى إنه سميع مجيب.
الرياض - فاكس 014803452
|