المملكة العربية السعودية - حرسها الله - كيان حضاري متميِّز، فهي دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والحكم في هذه الدولة يستمد سلطته من كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -(1)وهما الحاكمان على هذا النظام، وجميع أنظمة الدولة(2). وهذا يربط حضارة المملكة بحضارة الإسلام التي أسعدت البشر، ويجعل لهذا المجتمع تميّزه، وخصوصيته في التعليم، والاقتصاد، والحياة الاجتماعية، وسائر مناحي الحياة، والدولة تفتخر بهذا التميّز، وتستشعر هذه المسؤولية، وحساباتها دائماً مرتبطة بهذا الأمر، وتحرص على تقديم النموذج الإسلامي الأمثل للعالم، وبالذات في هذا الوقت الذي استهدف فيه الإسلام، وأهله.
ومن هنا جاء إعلان سمو ولي العهد - حفظه الله - عن جامعة للبنات في الرياض تضم كليات البنات المتفرقة.
وهذا القرار اتخذته القيادة عن وعي رشيد بحساسية المرحلة، وضرورة تقديم المشروعات الإسلامية المتميّزة.
ولقد استبشر المواطنون بإعلان ولي العهد عن هذه الجامعة التي تجمع كليات البنات في الرياض، وتبادلوا التهاني والتبريكات، وأصبح هذا الإعلان هو الحدث الميمون، والخبر السعيد لديهم.
وجاءت كلمة سماحة مفتي عام المملكة، ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ تعبيراً عن سعادة المواطنين، وشكرهم لقيادتهم، ونقلاً لآمالهم وطموحاتهم من هذا القرار.
فقد نوه سماحته بقرار صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني بإنشاء جامعة مستقلة للبنات تجتمع فيها كليات البنات المتفرقة.
وأكّد سماحته أن استقلال تعليم البنات من أهم المطالب؛ رعاية لجناب الشريعة، وحماية للنساء، وحفاظاً على الفضيلة، وتحقيقاً للمصالح، مع درء المفاسد، مشيراً إلى أن هذا القرار خطوة مباركة في تعليم البنات، مؤملاً أن يهيىء الله لهذه الجامعة إدارة صالحة، تقيّة تخاف الله، وتتّقيه، وتحرص على حفظ بناتنا، وحياتهن، إلى جانب أن تكون التخصصات في هذه الجامعة الناشئة تخصصات تتوافق مع طبيعة المرأة وقدرتها، وألا تقحم في تخصصات لا توافق طبيعتها المبنية على الستر والعفاف، موضحاً سماحته أن ولاة الأمر يولون هذا الموضوع عناية كبيرة؛ حرصاً على دين المسلمين، وعوراتهم(3).
وبنظرة متأنية في أبعاد هذا القرار، ونتائجه ندرك سمو الهدف، وحرص القيادة على تأكيد خصوصية المرأة السعودية، لاسيّما في هذا الوقت الذي يتنادى العالم بحقوق الإنسان، وحقوق المرأة بالذات.
فالمرأة في المجتمع السعودي مسلمة، ومطلب كل مسلمة الستر، والبعد عن ما يزعجها، ويعرضها لمواقف تؤذيها من الرجال الأجانب.
وجامعة البنات المستقلة تكريم للمرأة السعودية، وسيهيىء لها ميدان تعليم جامعي، وعالٍ يحقق لها خصوصيتها. وسيتيح لها مجالات التعليم المختلفة بعيدة عن الرجال، وسينعكس أثره الإيجابي على مستوى تعليم المرأة.
وهذه التجربة لا تحتاج لمراهنة على نجاحها، فنتائجها الإيجابية مضمونة؛ فهذا القرار قربة إلى الله، وسعي للخير، وتحقيق لمصالح ظاهرة.
في هذا القرار تأكيد على خصوصية هذا المجتمع السعودي.
وفي هذا القرار تحقيق للأهداف التنموية دون هدر، أو تشتيت.
وفي هذا القرار إسعاد للمرأة، وصيانة لها.
وإذا كان هدف التعليم في هذه البلاد الغالية غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء، وإكسابهم المعارف والمهارات، وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم، معتزين بتاريخه(4) فإن هذا القرار يعين على تحقيق هذا الهدف، ويشجع كل الفتيات على خوض كافة التخصصات دون خوف أو قلق.
اليوم جامعة للبنات، وغداً - بإذن الله - كليات طب، وصيدلة، وتمريض خاصة بالبنات، يتبعها مستشفى جامعي نسوي، فتقبل الفتاة السعودية على هذا المجال مطمئنة، وثمرة ذلك عيادات، ومستشفيات نسائية تكون نموذجاً حضارياً متميزاً.
لقيادتنا الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وسمو وليّ عهده، وسمو النائب الثاني منا كل تقدير، وحب ووفاء، ونسأل الله - عز وجل - أن يوفقهم، ويسددهم، ويمدّهم بعونه وتوفيقه، وأن يجزيهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء على خدمتهم الجليلة لهذا الدين، وأن يحفظ هذه البلاد الغالية من كيد الكائدين، وأن يكفيها شر الحاسدين. والله ولي التوفيق.
(1)المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم.
(2)المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم.
(3)جريدة الجزيرة ، الأربعاء 10-2- 1425هـ،العدد(11507).
(4)المادة الثالثة عشرة من النظام الأساسي للحكم.