ذات مساء قالت لي بصوت مخنون مشلول الكلمات: (الحب أكذوبة.. ليس في الدنيا شيء اسمه حب)!
وقتها كنت أدرك أنها قالت هذا تحت تأثير تبلد عالمنا وخلوه من معاني الحب السامي.. وقتها لم ألمها، فهي تقدم لمن حولها الحب وتلاقي منهم الهجر والصد.. لم تكن تعلم أن يدها التي تمتد بالحب لمن حولها ستعود إليها وقد نُهشت...!
قلوبنا.. أنفسنا.. أرواحنا، وحتى ألسنتنا باتت تعاني من الجفاف..
أصبحت مساحات أفئدتنا تعاني من التصحر وقلة - إن لم يكن انعدام - العواطف.
أصبح الحب أنشودة تغرد بها أسراب أنفسنا المتلهفة، لكننا لم نتقدم خطوة واحدة لنزرع هذا الحب في نفوسنا ونفوس من حولنا، فنمتلك قلوبهم بحديث
الروح الملامس لشغاف القلب
حديث الروح للأرواح يسري
فتدركه القلوب بلا عناء |
وحتماً لن نتقدم ما دمنا نرى هذا عيباً وخروجاً، ونستحي من كلمة (حب) أو حتى نظرة صادقة مليئة بالمشاعر الأخوية..
أصبحنا - وللأسف - نحمل في قلوبنا أطناناً من الحساسية المفرطة تجاه أي موقف، ونتحين الفرص للقضاء على ما تبقى في نفوسنا من حب..
نصبح وفي قلوبنا من بقايا الأمس كتلاً من اللوم والتقريع ما يجعلنا ننفر من أنفسنا ونرى هذا العالم، على اتساعه، أشد ضيقاً من سم الخياط..
بكل أسى.. بتنا نخجل من المرآة، نقابلها ونحن من عنّف هذا، وخاطب هذا بفظاظة منفرة.. نقابلها ونحن من جرد لسانه من كلمة حانية أو تعبير يعكس معنى أن نحمل بطاقة عبور لعالم الإنسانية.. نقابلها ونحن من ردد على لسانه: (أكرهك، لا أحبك، لا أطيق رؤيتك، ليته يموت،...).
نحتاج لصياغة وتدريب ومران لنهذب ألسنتنا ونعودها على كلمات الحب الشفافة، لنعودها على: (أحبك، أشتاق لك، أتلهف لرؤيتك، ما أعذب ابتسامتك،...) لنجر على ألسنتنا كلمات نتداولها يومياً: (عيوني، حبيبي، عمري، عزيزي،....) دون ان نجعل من حولنا يستغرب هذه الكلمات التي حين تخرج تدور عيوننا مستغربة مصدومة متفاجئة، كأن صاعقة نزلت على مسامعنا.
لم يكن الحب يوماً أكذوبة ولن يكون - بإذن الله - ما دامت قلوبنا نبض لحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم... لن يكون أبداً أكذوبة ما دام في الوقت متسع لنعمر أنفسنا (الطيبة) بالحب... معاً ضد التصحر فالكلمة الطيبة.. صدقة..
تلويحة..
إذا كان الحب أكذوبة.. فكلنا كذابون !
|