يقولون.. إن هذا الزمن.. هو زمن إفشاء الأسرار.. ولم يعد هناك سر أو شيء مخفي.. ولم يعد هناك شيء محاط بسرية كما كان في السابق.
** لم يعد هناك شيء اسمه (سرّك في بير).. ولم يعد السرُّ في (قِلِيْب) كما يقال سابقاً.. أو كما يقول العوام.. بل أصبح كل شيء متداولاً ومعروفاً.. وأسرع من البرق.. وقد أسهمت الجوالات في معرفة وتداول كل شيء مهما كان.. والمسألة.. لا شك مسألة مرضيَّة..
** يقال.. إن بعض البنوك.. لم يعد لديهم أسرار.. إذ بوسع أي شخص يعرف موظفاً صغيراً في البنك.. أن يتصل عليه ويعطيه رقم حساب أي إنسان ويأخذ كل شيء عنه.. الوارد والمنصرف.. وعن.. كيف ومتى ورد.. وكيف ومتى انصرف.. حتى لو أراد صوراً للشيكات ولكل شيء وآخر الرصيد.. لأعطاه إياه.. دون أدنى تحفُّظ أو مشكلة على الإطلاق.
** وهكذا بوسعك أيضاً.. أن تعرف كل ما يدور في محفظة فلان وما فيها من الأسهم.. وكيف باع واشترى.. وكل ما يدور في محفظته البنكية..
** ولنترك البنوك وننتقل أيضاً.. إلى أسرار مريض في مستشفى.. من واقع ملفه.. لأن المسألة اليوم.. لم تعد مجرد ملف محفوظ.. بل إن كل معلومة على (الكمبيوتر).. وخذ رقم أي مريض وستعرف كل شيء عنه.. وأسراره ومشاكله.. حتى لو زار مرة طبيباً نفسياً من أجل استشارة.. قالوا (تراه مهبول) يراجع العيادة النفسية.. حتى لو كانت مراجعة من أجل ضبط النوم.. أو معالجة القولون العصبي.. أو أرقٍ أو صداعٍ مزمنٍ أو أي شيء آخر لا علاقة له بالجنون أو (قِِلِّ الصِّحْ) كما يقولون.
** وهكذا الأسرار الزوجية.. هي الأخرى أصبحت على كل لسان.. فالمرأة المسكينة.. قد تودع أسرارها لأي صديقة أو زميلة.. وهكذا تنتشر أسرع من البرق.. بل إن الكثير من المشاكل والمشاحنات والخصومات والقطيعة.. جاءت بسبب قال فلان وقال فلان من أصناف نقل الكلام والنميمة بين البشر.
** تجلس في مجلس.. وتجد أحدهم يتحدث بملء فيه.. ويتحدث في فلان وعلاَّن وبصوت عالٍ وبكلام مقذع مخيف مخجل.. والمجلس في وسطه أكثر من خمسين شخصاً..
** وهكذا الشركات والمؤسسات.. لم يعد لها أي أسرار.. إذ بوسع أي شركة منافسة أن تغزو الأخرى وتأخذ كل ما عندها.. ليس بالكلام فقط.. بل بالأوراق والمستندات.
** لم يعد هناك بالفعل.. أي سر.. ولم يعد هناك بالفعل.. شيء يحفظ.. حتى لو أن الشخص الذي أمامك مسح على وجهه عشر مرات وقال (أفا) فالمسألة مجرد ثوانٍ حتى تختفي من أمامه.. وعندها.. سيشتغل الجوال.. وسينفضح سرك.. وستجد نفسك.. أمام مشكلة اسمها.. أن كل ما عندك.. صار مشاعاً.. وأن (البير) تحوَّل إلى (هَدامِهْ).
** اليوم .. في المجالس.. الناس تتحدث في أدق التفاصيل.. عن أمور أشبه بالأسرار الدقيقة..
** ما الذي حصل .. حتى صارت الأسرار هكذا؟
|