تعتبر اتفاقية الزراعة ( Agreement of Agriculture (AOA من أهم اتفاقيات منظمة التجارة ( World Trade Organization (WTO وليس أدلَّ على ذلك من أن مواضيع الزراعة كانت من أهم أسباب فشل المؤتمر الوزاري للمنظمة في سياتل الأمريكية وما تضمنه قرار الدوحة في المؤتمر الوزاري الذي عقد بدوحة قطر وأخيراً الاهتمام بمواضيع الزراعة في المؤتمر الوزاري الأخير الذي عقد في كانكون المكسيكية.
وانطلاقاً من ذلك فإن الملف الزراعي في مفاوضات انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية يعتبر من أهم الملفات نظراً لأن الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية يعتبرون السوق السعودية من الأسواق المهمة لمنتجاتهم الزراعية وبالتالي يحرصون على الحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات التي تخدم مصالحهم التجارية بينما يحاول المفاوض السعودي هو الآخر تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب وتحقيق الهدف الاسمى وهو الانضمام للمنظمة بأقل قدر ممكن من التنازلات وهذا ما جعل المفاوضات في هذا الجانب شاقة ومضنية.
والمملكة العربية السعودية على وشك الانضمام لمنظمة التجارة العالمية هذا العام بإذن الله تعالى ويعي المفاوض السعودي ان المواطن السعودي يجب أن يكون لديه إلمام كامل بأهم محاور المفاوضات وآلياتها وما يترتب عليها بعد الانضمام.. وفي هذه العجالة نتطرق لما يخص الملف الزراعي في المفاوضات.
المحاور الرئيسية
للمفاوضات الزراعية
1- النفاذ الى الاسواق Market Access ويأتي تحت هذا المحور عروض السلع الزراعية Agricultural Goods Offer حيث ان العرض الأساسي الذي قدمته المملكة للمنظمة هو عرض عام 1999م ويشمل الجدول ما يلي: الرقم المنسق للسلعة حسب تصنيف مصلحة الجمارك Hs Gode وصف السلعة Description والرسم المطبق حالياً وعرض عام 1999م الذي يمثل السقوف الجمركية التي اقترحها المفاوض السعودي والتي غالباً ما تكون أعلى من الرسم الجمركي المطبق فعلياً وتختلف من سلعة لأخرى حسب أهميتها للمنتج والمستهلك في المملكة. ويأتي دور المفاوض السعودي في رسم الاستراتيجية المناسبة للمفاوضات مع كل دولة على حدة وهدفه الرئيسي التمسك بعرض 1999م من حيث السقوف الجمركية وفي المقابل تحرص الدول التي لها مصالح متبادلة مع المملكة وترغب في الحصول على نصيب من أسواق المنتجات الزراعية السعودية تحرص هذه الدول على تخفيض السقوف الجمركية الى مستوى المطبق فعلياً أو أعلى منه بقليل على السلع التي تهمها وتستمر العملية التفاوضية التي يحكمها عوامل عديدة أهمها:
أ- التفويض الوزاري من اللجنة الوزارية الخاصة بانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية والذي يعطي الخطوط العريضة للمفاوض السعودي الذي بدوره يحرص على تحقيق مستويات أعلى من التفويض المعطى له ولا يحق له تجاوز التفويض إلا برجوع رئيس الفريق التفاوضي للجنة الوزارية والعرض بالمبررات والعقبات التي تواجه المفاوضات وبناءً على ذلك يتم اتخاذ القرار اللازم باعطاء تفويض جديد او التمسك بالتفويض السابق.
ب- أهمية السلع مدار التفاوض لكلا البلدين من حيث الميزة النسبية للإنتاج ودور السلعة في الأمن الغذائي والتنمية الريفية وغيرها وغالباً ما تستخدم السلع الزراعية التي ليس للمملكة ميزة نسبية في إنتاجها لغرض الإبقاء على سقوف جمركية مرتفعة نسبياً على سبيل المثال الأرز والشاي يعطى فيها مرونات تفاوضية لتخدم سلعة التمور التي تحرص المملكة على الاحتفاظ برسم جمركي مرتفع نسبياً عليها.
ج- حق التفاوض الأولي ( Initial Negotiation Right (INR) الجدير بالذكر هنا ان المملكة إذا التزمت بسقوف جمركية معينة لا يحق لها رفع هذه السقوف الجمركية إلا بالتفاوض مع الدول التي تعتبر المصدر الأول لهذه السلع للمملكة بالإضافة للدول التي طلبت حق التفاوض الأولي على سلعة او سلع معينة خلال المفاوضات واعطي لها هذا الحق. وغالباً ما تتقدم بعض الدول بطلب حق التفاوض الأولي وبناءً على المفاوضات تتم الموافقة من عدمها. ويتبع المفاوض السعودي استراتيجية معينة في هذا المجال بالحرص على عدم اعطاء هذا الحق إلا في أضيق الحدود ويسهل اعطاء هذا الحق للدولة التي توافق مباشرة على عروض عام 1999م ويستحيل عندما تطلب دولة سقفاً جمركياً مساوياً للمطبق فعلياً والذي يكون (صفر) على سبيل المثال وفي سلعة قد يكون توجه على رفع سقفها الجمركي مستقبلاً.
وبناءً على هذه الاستراتيجية سارت المملكة في المفاوضات مع الدول التي تقدمت بطلبات للتفاوض وحتى تاريخه تم الاتفاق مع جميع تلك الدول عدا دولة واحدة تجري المفاوضات معها حالياً وتم تقريب وجهات النظر في أمور كثيرة تتعلق بالملف الزراعي إلا ان الفريق الفني السعودي للمفاوضات يفاوض كفريق ويفاوض على جميع الملفات مرتبطة بعضها ببعض وباستراتيجية مدروسة سوف تثمر بنتائج تخدم الاقتصاد السعودي بصفة عامة وتوفر الحماية اللازمة للمنتجات الزراعية المهمة وتخدم شريحة المستهلكين أيضاً.
2- المحور الثاني: الدعم الزراعي المحلي Agricultural Domestic Support
من مبادئ منظمة التجارة العالمية تحرير التجارة الزراعية وإزالة أو تخفيض جميع أوجه الدعم الزراعي المشوه للتجارة أو بمعنى آخر الذي يؤثر على الاسعار مباشرة بحيث يُترك لقوى العرض والطلب في السوق تحديد أسعار السلع الزراعية.
وبناءً على ذلك نصت اتفاقية الزراعة في منظمة التجارة العالمية على ان تقوم الدولة التي تطلب الانضمام للمنظمة بتقديم وثيقة الدعم الزراعي المحلي (ACC4).
هذه الوثيقة تشمل بيانات آخر ثلاث سنوات متوفرة عن الدعم الزراعي الذي تقدمه الدولة الراغبة في الانضمام لقطاعها الزراعي سواء كان ذلك الدعم مباشراً أو غير مباشر، دعم شامل للقطاع الزراعي او دعم مخصص لمنتج معين ويتم حساب اجمالي الدعم المحلي بأخذ معدل الدعم لثلاث السنوات الأخيرة التي تتوفر بياناتها. وفي ظروف المملكة تم إعداد هذه الوثيقة مع بداية المفاوضات وتم تحديثها أكثر من مرة مع تقدم المفاوضات وتم حصر الدعم الزراعي القابل للتخفيض بنسبة 13.3% على مدى عشر سنوات بعد الانضمام. وكذلك من باب الشفافية تم حصر الدعم الزراعي بمختلف أشكاله وغير القابل للتخفيض وبالمقارنة فإن الدعم الزراعي الذي تقدمه الدولة للقطاع الزراعي وغير القابل للتفخيض يفوق نظيره القابل للتخفيض وفي ذلك بشرى طيبة للقطاع الزراعي السعودي أسوة بمثيلاته في الدول المتقدمة الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.
هذا وقد تم الانتهاء من المفاوضات المتعددة الأطراف في مجال الزراعة وتم إقرار وثيقة الدعم الزراعي للمملكة وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من تقرير فريق العمل الرسمي الذي قدمته المملكة للمنظمة خلال شهر مايو 2004م ويتم مناقشته في الاجتماع القادم لفريق العمل المزمع عقده بعد منتصف شهر يونيو 2004م.
المحور الثالث: ما يتعلق بالقطاع الزراعي من اتفاقيتي الصحة والصحة النباتية (SPS) واتفاقية عوائق التجارة (TBT). حيث يدرك الأعضاء في المنظمة أنه من المهم جداً ان يتواكب مع التفاوض في مجال النفاذ الى الأسواق في السلع ألا يكون هناك عوائق تجارية مثل الحظر على الواردات من بلد ما بمبررات لا تتوافق مع تلك الاتفاقيتين، لذا التزمت المملكة بهاتين الاتفاقيتين والتمشي بهما للحفاظ على الصحة والصحة النباتية للإنسان والحيوان والنبات دون استخدامها كعوائق تجارية تمنع من النفاذ للأسواق السعودية.
وفي الختام فإن المفاوض السعودي بصفة عامة والمسؤول عن الملف الزراعي بصفة خاصة يفخر بما تحقق حتى الآن من مكاسب ويتطلع للمكاسب الأهم من خلال عضوية المملكة في نادي الاغنياء كما يطلق عليه وذلك بالمشاركة في صنع القرارات المستقبلية بما يخدم مصالح هذا الوطن المعطاء في ظل حكومته الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني أيدهم الله وسدد على طريق الخير خطاهم.
(*)ممثل وزارة الزراعة في الفريق الفني للمفاوضات |