أكدت دراسة حول استغلال مساحات الفلل السكنية على أهمية ايجاد خطة عامة أو برنامج وطني يقود للحد من الهدر الكبير في مساحات المساكن في المملكة وأوردت الدراسة التي أعدها المهندس علي بن محمد السواط بعنوان (كفاءة استغلال مساحات الفلل السكنية: دراسة ميدانية على حاضرة الدمام) أوردت عدداً من الاقتراح للحد من ذلك الهدر ومنها إعادة النظر في سياسات وأساليب تخطيط المدن وتقسيمات الأراضي وأنظمة البناء المتبعة بحيث يتمكن أفراد المجتمع من الحصول على قطع أراض صغيرة بمساحات تتراوح بين (150-350م2) لإقامة مساكن صغيرة, والعمل على رفع مستوى أداء المكاتب الهندسية من خلال سن الأنظمة والتشريعات وايجاد الضوابط والكودات والمواصفات وتأهيل المعماريين والمهندسين ومنحهم شهادات لمزاولة المهنة إضافة إلى إشاعة الوعي المعرفي بين أفراد المجتمع من خلال وسائل الاعلام المختلفة للتخلص من بعض المفاهيم الخاطئة في البناء وحثهم وتشجيعهم على الإقبال على المساكن ذات المساحات الصغيرة من خلال إبراز مزاياها وفوائدها المختلفة.
كما أوصت الدراسة على ايجاد مواصفة وطنية لماهية المسكن المناسب من حيث المساحة والعناصر والمحتويات, وذكرت الدراسة أنه يمكن تطوير هذه المواصفة من خلال تشكيل لجان مشتركة من تخصصات مختلفة لبحث ودراسة هذا المطلب على أن تكون هناك عدة مستويات لهذه المواصفة وفقاً لحجم الأسرة وامكانياتها الاقتصادية كما أوصت الدراسة على إقرار وتبني ودعم فكرة (المسكن النواة) وهو المسكن الصغير الذي يلبي الاحتياجات الأساسية للأسرة الناشئة ويكون قابلاً للنمو والاشباع أفقياً ورأسياً مع مرور الوقت لاحتياج الأسرة, والعمل على تأهيل المكاتب الهندسية والمعماريين والمهندسين الأفراد في مجال تطبيقات الهندسة القيمية, وهو ما سيقود إلى الحد من مشكلة الهدر في مساحات البناء من المراحل الأولية للتصميم من خلال اجراء التحليل الوظيفي والتركيز على الوظائف الرئيسية والتخلص من التكاليف غير الضرورية داعية الجمعيات والهيئات المهنية والهندسية مثل الهيئة السعودية للمهندسين وجمعية علوم العمران بإشاعة الوعي المعرفي والثقافي من خلال وسائل الاعلام المختلفة والتعريف بالمزايا والفوائد الاقتصادية والوظيفية للمساكن ذات المساحات الصغيرة.
وبينت الدراسة التي تهدف إلى التعرف على كفاءة استغلال الفلل السكنية في حاضرة البدمام ان وظيفة السكن تشكل نسبة تتجاوز 50% من مساحة المنطقة المشيدة في المدينة.
وأرجعت الدراسة أزمة الإسكان التي أصبحت واحدة من أهم القضايا التي واجهتها مسيرة التنمية في المملكة في السنوات القلائل الفائتة إلى تزامنها مع حالة الركود الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة التي شهدها كثير من دول العالم مؤخراً ومن بينها المملكة فقد أصبحت هناك صعوبات عديدة تحول دون حصول كثير من المواطنين على قطع أراض ملائمة لإقامة مساكن عليها إلا أن مشكلة الاسكان ليست متوقفة على صعوبة الحصول على الأرض وحسب إنما أصبحت تكاليف البناء المرتفعة عائقاً آخر لا يقل أهمية, وقالت الدراسة إنه بناء على ذلك فإن مشكلة الاسكان في المملكة تتمثل في جانبين رئيسين أولهما صعوبة الحصول على الأرض الملائمة وثانيهما ارتفاع التكاليف ولهذا فإن جميع الحلول والمعالجات التي تستهدف حل مشكلة الاسكان في المملكة يتوجب ان تلامس هذين الجانبين فإذا ما توفرت الأرض الملائمة وبسعر مناسب وايجاد الأساليب والطرق الملائمة التي تقود إلى خفض تكاليف البناء فسنكون قد عالجنا الجزء الأكبر من هذه المشكلة وأشارت الدراسة إلى الدراسة الميدانية التي قامت بها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وملخصها أنه في حالة حصول الأسر السعودية على قطع أراض لا تتجاوز مساحة كل منها (200م2) وبأسعار مخفضة بالاضافة إلى الحصول على نصف مبلغ قرض الصندوق العقاري فإن (3.7%) من الأسر السعودية تستطيع الانفاق على امتلاك مسكن معاصر من نوع الفلل وستبلغ نسبة الأسر المستأجرة التي تستطيع امتلاك مسكن معاصر (42%) متى ما حصلت على أرض مخفضة وقرض جزئي.
وعن مزايا المساكن الصغيرة ذكرت الدراسة انه من البديهي أن تكون تكاليف المساكن ذات المساحات الصغيرة أقل بكثير من تكاليف المساكن ذات المساحات الكبيرة نظراً لانخفاض تكلفة الأرض وانخفاض كمية المواد المطلوبة للانشاء إلا أن الوفر المالي في بناء المساكن الصغيرة لايتوقف على التكاليف الأولية المباشرة وإنما يتجاوز ذلك الوفر في تكاليف التشغيل والصيانة لأن المساحات الصغيرة تتطلب كمية قليلة من التأثيث كما ان تكاليف تشغيلها واستهلاكها للطاقة والمياه ستكون أقل وهذا ينطبق على أعمال الصيانة المطلوبة, وأشارت الدراسة إلى أن مزايا وفوائد المسكن الصغير تتجاوز الجوانب المادية إلى الجوانب الوظيفية حيث أظهر كثير من المساكن ذات المساحات الصغيرة كفاءة وظيفية عالية وأداء أفضل وفاعلية وراحة في الاستخدام أما من المنظور الانساني والاجتماعي فعندما تكون مساحات المسكن كبيرة فإن الساكنين يشعرون بالضياع وبضآلة أحجامهم وصغرها في هذا الحيز الكبير كما ان العلاقات والتفاعلات الانسانية بين أفراد الأسرة الواحدة تصبح أكثر ضعفاً في المساكن الكبيرة, وعلى العكس من ذلك فإن المساكن ذات المساحات الصغيرة تشعر الساكنين بأحجامهم الطبيعية وتسهم في تقاربهم الفيزيائي والعاطفي وبالتالي تفاعلهم الايجابي.
وقالت الدراسة إنه لا يحكم الفصل بين الهدر الكبير في مساحات مساكننا وبين حالة الفوضى في سوق المكاتب الهندسية وغياب الكودات والمواصفات الوطنية وتدني الأجور التي تحصل عليها تلك المكاتب كما ان افراد المجتمع انفسهم لا يتوفر لديهم الوعي الكافي بأهمية قرارات مرحلة التصميم وتأثيراتها الكبيرة على تكاليف الانشاء والتشغيل والصيانة.
واعتبرت الدراسة ان المعماريين يعتبرون بمثابة مفتاح النجاح لأي مبادرة تجاه معالجة المشكلة وتقليص المساحات الضائعة مع مساكننا وبالتالي خفض تكاليف البناء والتشغيل والصيانة, وان كثيراً من المعماريين العاملين في المكاتب الهندسية في المملكة تحركهم طلبات ورغبات العميل أكثر مما توجههم اخلاق وأدبيات ممارسة المهنة وأنهم يقدمون لعملائهم سلعاً تجارية من التصاميم الرخيصة دون الخوض في الاحتياجات الفعلية للمستفيد واعتبرت الدراسة ان استمرار الدعم الحكومي لتمكين الأسر السعودية من امتلاك مساكن خاصة ليس كافياً بحد ذاته للتغلب على أزمة الاسكان في المملكة وان التغلب على هذه المشكلة مرهون بوعي المواطن نفسه ومدى استعداده لتغيير تلك الصورة النمطية المترسخة لما يجب ان يكون المسكن، وأن على المعماريين مسؤولية في توعية أفراد المجتمع بفوائد ومزايا المساكن الصغيرة وأن ذلك يرتبط بأدبيات وأخلاقيات ممارسة مهنة العمارة والهندسة المستمدة من تعاليم شريعتنا الاسلامية.
|