* القاهرة - مكتب الجزيرة - ريم الحسيني عتمان أنور:
الدم الفلسطيني المراق في الاراضي المحتلة لم يشفَ غل شارون بعد فيواصل ممارساته الوحشية من قتل وتدمير وهدم البيوت والمنازل فشارون لم ولن يبرأ الا بتحويل الارض الى نار ورماد والبيوت الى اطلال...ولكن وسط هذه الممارسات الوحشية التي يراها شارون عادية من وجهة نظره حدث ما أطار النوم من عينه وزاد من وطأة توحشه وهو دخوله في حرب من نوع جديد في فلسطين.. حرب تذكره بما يحدث ويستمر في لبنان وهي حرب الاشلاء وذلك بعد مقتل خمسة جنود إسرائيليين والاستيلاء على اشلائهم ليدخل شارون مرغما في صفقة تبادل الاشلاء كما يحدث في لبنان... حرب الاشلاء عكست نفسها على ما يحدث في قطاع غزة مؤخرا، فهل تصبح تكتيكا جديدا للمقاومة الفلسطينية بعد أن ثبت نجاحها في لبنان ؟ وما انعكاسات ما حدث على خطة الانسحاب من غزة وخاصة بعد رفضها من الداخل الإسرائيلي في الوقت الذي ما يزال فيه شارون مصرا على تنفيذها ؟ وما ابعاد ومرامي شارون من تصعيده للعنف ومحاولته اعادة طرح خطته فك الارتباط....؟
حول هذه التساؤلات التقت الجزيرة نخبة من المحللين السياسيين وخبراء الاستراتيجية.
حرب الأشلاء
يؤكد الدكتور مصطفى علوي استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ان ما يسمى بحرب الاشلاء من الصعب ان تأخذها المقاومة الفلسطينية تكتيكا لها على غرار ما يحدث في الجنوب اللبناني حيث مساحة الارض وطبيعة المواجهات الدامية تختلف في لبنان عنها في فلسطين، ففي لبنان تتيح الطبيعة الجغرافية حالات القنص والاسر على عكس ما تشهده الارض الفلسطينية من مواجهات مباشرة وفي الشوارع وتكون الدوريات الاسرائيلية متلاحقة، اما ما حدث في قطاع غزة من تصعيد للعنف والممارسات الوحشية من قبل اسرائيل فيؤكد ان شارون ما يزال يرغب في حصار الفلسطينيين، فبعد حرب الاشلاء هذه يزداد الاصرار لدى شارون في خنق الفلسطينيين وحصارهم في غزة لان هذا برأية يقلل من عمليات المقاومة، حيث ان حركة الجهاد وحماس متمركزتين في غزة وبهذا ينجح شارون في شل فاعليتهم وخاصة بعد استهداف قادة المقاومة بنجاح في الفترة الماضية، كما يريد فرض خطته رغم رفضها لانه يرى ان نجاحه في ترك غزة ليس تنازلا عن الارض وانما لحصار الفلسطينيين وشل فاعليتهم وضمان عدم امتداد عملياتهم غرب الخط الاخضر وبالتالي يخفف العبء على الجنود الاسرائيليين وعلى المستوطنات التي تعيش في حالة استنفار دائم وتضطر وحدات من الجيش الاسرائيلي لحمايتها وحراستها.
ويضيف علوي ان خطة الانسحاب من غزة يسعى شارون مجددا لطرحها وفرضها ويجب ان ندرك ان هذه الخطة ما هي الا مراوغة وتهدف الى التخلص من عشرات الآلاف من الفلسطينيين بالداخل الذين اصبحوا يشكلون هاجسا امنيا لاسرائيل وبتنفيذ هذه الخطة يكون شارون قد نجح في دمج ما يسمى بحرب الدفاع عن الامن في حرب المستوطنات لان شارون ما يزال يؤمن بالاستيطان ولم يتخل يوما عن حلمه الصهيوني.
إعادة الهيبة
من ناحيته يرى د.احمد يوسف عميد معهد البحوث العربية التابع للجامعة العربية ان ما حدث في غزة مؤخرا وما يشهده الواقع الفلسطيني بما يسمى بحرب الاشلاء قد اعاد الى التنظيمات الفلسطينية في القطاع كثيرا من الهيبة التي فقدتها مع اغتيال قادة المقاومة في الفترة الاخيرة، غير أن هذا النهج لا يستمر طويلا لان سبل وواقع المقاومة الفلسطينية مختلف عن سبل وواقع المقاومة في لبنان، غير أننا نرى أنه بعد افشال خطة فك الارتباط اصبح هناك ما يصفه الإسرائيليون بالفراغ السياسي ومن المتوقع أن تشهد اسرائيل حركة احتجاجية مطالبة بالخروج من غزة على غرار الانسحاب من لبنان ورغم رفض خطة شارون الا ان شارون يرى انها تثبت مكونات الاحتلال وتؤكد الفصل السياسي بشكل امني والعمل على منع قيام اي استقلالية سياسية للفلسطينيين، ويبقى الفلسطينيون تحت رحمة الإسرائيليين كما ان شارون سيحاول في الفترة القادمة العمل على هذا كما يعمل دائما على صرف الانظار عن المجازر التي ترتكبها القوات الاسرائيلية وتؤدي لفشل اي جهود دولية او اقليمية لتحريك عملية السلام لانه مع استمرار اسرائيل في سياسية القتل والاغتيالات لا يمكن ان يتحقق السلام، كما ان شارون يهدف للعمل على خدمة الاستراتيجية الاسرائيلية وتحديدا الامنية ورغم الزوبعة التي اثيرت في وجه شارون ورفض خطته الا ان الهدف الاول لدى اسرائيل هو ما يتحقق في النهاية على ارض الواقع، وشارون يلعب على وتر الامن واذا نجح شارون في ابعاد الهاجس الامني فقد نجح امام الداخل الاسرائيلي وان ما يقال حاليا من رفض فكرة التخلي عن الارض وان اعلان الانسحاب وفكك المستوطنات نصرا للمقاومة سوف يكتشفوا أن شارون لا يكافئ احدا ولا يعمل حسابا للفلسطينيين الذي يريد خنقهم وحصارهم في قطاع غزة فقط وهو القطاع الذي يقلق إسرائيل وينوي شارون إلقائه في البحر.
خداع إسرائيلي دائم
ويرى الدكتور السيد عليوة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة حلوان ان المطلوب ما بعد الخطة يثير قلق اسرائيل وخاصة الاحزاب اليمنية واليسار والمستوطنات لانها ترى في تفكيك المستوطنات تنازلا عن الارض ومكافأة لحركات المقاومة على غرار ما حدث في لبنان غير أن العقلية الاسرائيلية تتسم بالخداع الدائم وما تظهره غير ما تبطنه والاعلان عن تفكيك المستوطنات في غزة يصب في مصلحة اسرائيل لان هذه العملية اشبه بعملية المقايضة يقوم بتفكيك المستوطنات في مقابل خنق الفلسطينيين فيها وبهذا يتخلص شارون من اعباء كثيرة ويبقى الفلسطينيون تحت نظر ومراقبة الاسرائيليين فان المقاومة الداخلية لشارون ليست معارضة استراتيجية لاسرائيل ولكن في التكتيكات.
ويرى الدكتور ماهر قابيل رئيس جمعية التحليل السياسي ان الايام القادمة ستشهد المزيد من تصاعد عمليات العنف في الاراضي المحتلة وسيحاول شارون احياء خطة فك الارتباط والقضاء على خريطة الطريق نهائيا رغم ان خطة الانسحاب من غزة ما زال يكتنفها الكثير من الغموض والشك، فهناك تجاهل شبه تام لمسؤولي السلطة الفلسطينية، وما يزال هناك التخوفات من أن تكون هذه الخطة بديلا لخطة الطريق كما ان هناك رفض الداخل الفلسطيني لهذه الخطة، فمن الواضح حتى الان ان خطة الانسحاب من غزة مرتبطة بشكل اساسي مع اقامة الجدار العازل حول الضفة الغربية وغزة ولكنها تجري تحت ما يسميه الاسرائيليون (فك الارتباط مع الفلسطينيين) وفك ارتباط يعني لشارون قطع اي اتصال أو تواصل في الوقت الحالي مهما كان نوعه لتحقيق اقل قدر من الزمن للاسرائيليين وهو ما تمثل باقامة الجدار العازل وتهميش اجزاء واسعة من النسيج الاجتماعي الفلسطيني في الضفة الغربية ولهذا فان فك الارتباط بالرؤية الاسرائيلية لا يمكن تحقيقه.
ويضيف قابيل انه رغم رفض الخطة الا ان شارون يريد احياءها من جديد لانها تمثل في رأيه تأكيدا للاحتلال ويؤكد الفصل الامني والعمل على منع قيام اي استقلالية سياسية للفلسطينيين كما ان هذه الخطوة تأتي لصرف الانظار عن المجازر التي ترتكبها اسرائيل وتؤدي لنسف خارطة الطريق وضياع حقوق الفلسطينيين للابد.
|