* القاهرة - مكتب الجزيرة - عتمان أنور - علي البلهاسي:
أخيرا تم اختيار رئيس للعراق لقيادة المرحلة الانتقالية وأصبح للعراق مظاهر دولة وحكومة والتي غابت لأكثر من عام.. ولكن تبقى التحديات القادمة هي العنصر الحاسم في مدى جدية هذه الحكومة في الانتقال بالعراق من مرحلة الفوضى إلى الأمن ومن مرحلة الاحتلال الى مرحلة الاستقلال والاستقرار ولعل أبرز التحديات هو حدود السيادة التي يجب أن تتمتع بها الحكومة العراقية المؤقته من أجل تحقيق إنجاز هذا الانتقال الآمن والسريع ويرى المراقبون أن هناك مطالبات عدة أمام الحكومة الجديدة أولها تحديد موعد لانسحاب جميع القوات من العراق والعمل على عودة كل الصلاحيات الأمنية بأيدي العراقيين وإجراء انتخابات حرة مباشرة عبر جدول زمني يختار فيها العراقيون من يمثلونهم في المرحلة القادمة وأمام هذه التحديات هناك التخوفات بأن يظل اختيار رئيس العراق والحكومة المؤقته اختيارا شكليا وغير جوهري وخاضعاً لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية ويعزز هذه التخوفات تأكيدات المحللين السياسيين بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تبذل كل هذه الجهود ولم تأت بجيوشها كي تنسحب بدون أن تحقق أهدافها وما بين التخوفات والتحديات القادمة أمام الحكومة العراقية المؤقته التقت الجزيرة نخبة من خبراء الاستراتيجية والمحللين السياسيين.
يقول د. مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن الولايات المتحدة تنوي البقاء في العراق لمدة طويلة ورغم ما حدث من اختيار رئيس للحكومة والعمل على انتقال السلطة في 30 يوليه إلا أنهم يعملون على أن تسلم هذه الحكومة ببقاء القوات الأمريكية وهم يدرسون الآن اتفاقيات من شأنها تغيير الوضع القانوني الشكلي للقوات الأمريكية فمن غير المتصور أن تأتي الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الحجم الكبير من القوة العسكرية لتخوض حربا كبيرة إلا لتحقيق أهدافها ولكن تحت ضغط المقاومة لجأت الولايات المتحدة الامريكية إلى الأمم المتحدة وعهدت إليها منذ البداية بمهمة المساعدة في تشكيل الحكومة العراقية المؤقته الجديدة التي تنتقل إليها السيادة والسلطات غير أن هذه السيادة منقوصة حيث لن يؤدي ذلك الى تغيير المعادله العراقية وأعتقد أن المقاومة ستستمر طالما بقيت السيادة العراقية منقوصة فلن يتغير إلا الشكل فقط وستخيب التقديرات التي بنى عليها المخطط الأمريكي لمرحلة ما بعد 30 يونيه كما خابت كل التقديرات والتوقعات السابقة كما أن الدول الكبرى التي اعترضت على الحرب العراقية واعتبرت أن ما يجري في العراق هو احتلال ستستمر في تحفظاتها تجاه الولايات المتحدة.
إجراءات تجميلية
من ناحيته أشار السفير عصام الدين حواس مندوب مصر الأسبق في الأمم المتحدة أن هناك شكوكاً كثيرة حول نية واشنطن نقل السلطة للعراقيين بشكل حقيقي وليس شكليا وكل التكهنات تشير إلى أن العراقيين قد يتسلمون السلطة لكنهم لن يتسلموا السيادة وقال إن واشنطن لو كانت جادة في هذا الامر فلابد أن تعلن عزمها على الانسحاب من العراق فور نقل السلطة إلى الحكومة العراقية المؤقته في 30 يونيو القادم وتبدأ في الانسحاب فعلا طبقا لجدول زمني وحتى تتحمل الولايات المتحدة مسئولياتها في سوء الأوضاع في العراق يمكنها الإعلان عن استعدادها للمشاركة في قوة دولية للمساعدة في المرحلة الانتقالية وهذا لا يتفق أبدا مع تصريحات المسئولين في الإدارة الأمريكية التي تؤكد بقاء قوات الاحتلال في العراق حتى بعد عملية تسليم مبررة ذلك بسوء الأوضاع في العراق وخطورة ترك فراغ قد ينتج عنه عواقب وخيمة وأشار حواس إلى أنه إذا كانت هناك رغبه حقيقية لدى واشنطن للانسحاب من العراق فلابد أن تكف عن الإصرار على بقاء القوات بعد تسليم السلطة والإصرار على قيادة أمريكية لأى قوة متعددة الجنسيات وبهذا توضع الكرة في ملعب المجتمع الدولي والشعب العراقي نفسه مع وجود استعداد أمريكي لمجرد المساهمة والمساعدة في المرحلة الانتقالية لبناء عراق جديد وأكد حواس أن عناد بوش وتأثير صقور البيت الأبيض عليه سيمنع أىة خطوات إيجابية يتم اتخاذها في هذا الاتجاه مشيرا إلى أن إدارة بوش لن تتقدم بأية استراتيجية للخروج من العراق ولا باستراتيجية للبقاء فيه مع استمرار الفشل الأمريكي المتلاحق هناك والأرجح أن تستمر هذه الإدارة في القيام بإجراءات تجميلية لتحسين صورتها التي ألحق بها الكثير من الأذى في القيام بإجراءات تجميلية لتحسين صورتها التي لحق بها الكثير من الأذى في العراق بعد فضيحة سجن أبو غريب دون أن تحقق ما هو مطلوب فعلا وهو الانسحاب من العراق وزوال الاحتلال وذلك حتى تنتهي فترة الانتخابات الرئاسية ويتحدد مصير بوش وإدارته وبعد ذلك يتم التفكير في المرحلة المقبله وقال حواس إن سوء وتردى الأوضاع في العراق يوما بعد يوم بسبب الاحتلال يؤكد ضرورة انسحاب القوات الإنجلو أمريكية من العراق بعد تسليم السلطة للعراقيين مصحوبة بسيادة كاملة وليست منقوصه على مقدرات بلادهم بحيث يصبح مستقبل العراق بيد العراقيين بمساعدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولى وليس بمساعدة الاحتلال وأضاف أن ما يقال حول أن العراق سيمزق إذا انسحبت القوات الأمريكية ما هو إلا حجج واهية تستخدم لتبرير الاحتلال واستمراره فالعراقيون شعب ناضج وقادر على إدارة شئون بلاده بعيدا عن أى تدخل اجنبي وهذا بالطبع لا ينفي ضرورة أن تتحمل أمريكا مسئولية الخراب والدمار الذي خلقته الحرب والاحتلال في العراق بمعنى أنها لابد أن تساهم ماديا لإصلاح ما أفسدته في العراق.
أكاذيب أمريكية
ومن جهة أخرى نفى الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق أن تكون عملية نقل السلطة في العراق خطوة نحو زوال الاحتلال واستعادة العراقيين لسيادتهم وقال: إن أمريكا جاءت إلى العراق لتبقى وعملية نقل السلطة مجرد ورقة انتخابية يلعب بها بوش وتضاف إلى أكاذيبة ومراوغاته المتكررة التي يحاول بها تحقيق المعادلة الصعبة وهى الفوز في الانتخابات والبقاء في البيت الابيض والبقاء في العراق وإلا يضطر لخسارة أحدهما على حساب الآخر وأضاف أن كل المعطيات تشير إلى أن عملية نقل السلطة هي مجرد خدعه أمريكية جديدة وأن واشنطن تريد كسب ود العراقيين وتخفيف وطأة ضربات المقاومة وتحميل صورتها أمام العراقيين والشارع العربي والعالم كله بعد فضائحها المتكررة في سجن أبو غريب وقتل المدنيين الأبرياء مؤكدا أن فكرة نقل السلطة نفسها فرضت على الإدارة الأمريكية بسبب ظروف الانتخابات الأمريكية وليس حرصا منها على تمكين العراقيين من حكم بلادهم ولاشك أنها لن تتعدى مسألة السلطة الشكلية والسيادة المنقوصة ولن يختلف الوضع بأى حال من الأحوال عن وضع مجلس الحكم العراقي الحالى الذي لا يملك أىة صلاحيات سياديه وقال الأشعل إن عملية نقل السلطة إذا كانت حقيقية فلابد أن يتزامن معها انسحاب لقوات الاحتلال من العراق وهذا ما نفت أمريكا حدوثه بتأكيدها على أن قواتها ستبقى في العراق بعد تسليم السلطة هذا بالإضافة إلى أن أمريكا بصدد إنشاء سفارة ضخمة في العراق يبلغ عدد موظفيها ثلاثة آلاف موظف إلى جانب عزمها الإبقاء على قوة عسكرية كافية وهذه السفارة الأمريكية ستكون أكبر سفارة مما يوحي بأن أمريكا لا تنوي الانسحاب من العراق ولا التخلي عن إحكام قبضتها على سيادته الآن ولا حتى بعد نقل السلطة أو مستقبلا وأكد الأشعل أن أمريكا لا تمتلك سلطة شرعية في العراق لكى تنقلها إلى العراقيين طبقا لقواعد القانون الدولي وإنما هي سلطة احتلال وعلى هذا كان لابد أن تتولى الأمم المتحدة عملية نقل السلطة والسيادة لللعراقيين لا أن يتولاها الحاكم المدني في العراق بول بريمر وقال إنه حتى فيما يتعلق بهذه العملية فقد تضاربت حولها تصريحات المسئولين الأمريكيين فهم تارة يتحدثون عن نقل للسلطة وتارة أخرى يتحدثون عن نقل السيادة أو حسب تعبيرهم نقل سيادة وهو ما يعني عدم وضوح الاستراتيجية الأمريكية بالنسبة لهذا الموضوع وإن نقل السلطة عندهم لا يعني نقل السيادة وأضاف أن السيادة التي زعمت أمريكا نقلها للعراقيين ليست بسيادة ولا سلطة وإنما مضلله وكاذبة من أجل تسويق الحملة الانتخابية للرئيس بوش ويرى الخبير الاستراتيجي اللواء طلعت مسلم أنه كان من المفترض من البداية أن تنسحب القوات الأمريكية لتترك مهمة حفظ الأمن والاستقرار لقوات عراقية ودولية غير خاضعة لإشراف الولايات المتحدة الأمريكية مع نقل سيادة وسلطة حقيقية للعراقيين تكون ممثله للشعب العراقي والإسهام في حفظ الأمن والاستقرار الإقليميين وتهيئة المناخ لتحرك دولى وعربي لمساعدة الشعب العراقي غير أن هذا لا يتفق مع التصور الأمريكي الذي لا يرى غير مصالحه وفقط إذن لن تؤدي عملية نقل السلطة للعراق وانتخاب رئيس للعراق وحكومة مؤقته لن يؤدي الى استقرار الوضع في العراق وكل الذين يراهنون على استقرار العراق بهذا الوضع ستجنب كل مراهناتهم لأن الأساس هنا هو وجود الاحتلال فيجب على الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من العراق وإلا لن تهدأ المقاومة ولن تهدأ حركات الفوضى في العراق.
|