المفحطون جمْع مفحط؛ وهو من يستخدم سيارته بشكل متهوّر جداً حتى تسمع صرير عجلاتها تئن من الجور عليها!! ولعلها جاءت من الكلمة العامية (فحط الطفل) إذا صار يبكي بشكل متواصل لا انقطاع فيه حتى يشهق.
هؤلاء هم فئة قليلة من شبابنا؛ وأغلبهم ممن لا عمل له يشغله عن (التفحيط)؛ بل لقد صارت مهنة يشترك أصحابها المجيدون لها في بعض المسلسلات التلفزيونية. وهي مشكلة فعلا؛ وكذا إقناع من يمتهنها فيه الكثير من الصعوبة؛ لأنها مثل لعبة البلوت التي يمتهنها أصحاب الاستراحات في استراحاتهم بعد تقدمهم في السن وعدم حبهم للقراءة أو الكتابة؛ ومن هنا جاء التفحيط تنفيساً عند القلة من الشباب لا يمكن الفكاك منها إلا بغسل المخ منها تماما.
والمنحى الجديد في الإدارة الحكومية الذي بدأه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن أمير منطقة حائل يعيدنا إلى عصر الإدارة المفتوحة في عهد الملك عبدالعزيز؛ وهو أنّ المؤسس رحمه الله كان يفتح بابه لكل من يريد مراجعته من الرجال لأمر من الأمور؛ أما النساء فكنّ ينتظرن في طريق الملك عندما يخرج فيقف ويحل مشاكلهن بسرعة؛ وكانت الأمور تسير بالحجة والإقناع والتعقل أيضا، بل كان الخصمان يقومان من عند الملك وهو يقول لأحد مرافقيه: اذهب بهما للقاضي؛ فيذهبان لحظتها وتنتهي مشكلتهما بسرعة، بل يخرجان يتحادثان وهما يقولان: الشرع مطهرة. وكان استعمال الورق قليلا لقلة المشاكل وقناعة الناس بأنهم تحت إمرة حاكم عادل محب مخلص لهم؛ وأنهم وهو في سفينة واحدة يحافظون عليها؛ وذلك هو العقل بعينه.
ومحاولة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز في إعادة مسألة الأخذ والعطاء مباشرة مع المواطن مهما كان تفكيره وتصرفه؛ هي منحى جديد لإعادة الإدارة المفتوحة لجده رحمه الله؛ فقد نُشر خبر في إحدى الصحف السعودية ان الأمير يفتح مجلسه لكل المواطنين الذين لديهم مشاكل فيحاول حلها بعيداً عن بيروقراطية المكاتب وروتين الأوراق؛ وقد اجتمع بعدد من الشباب الذين يمارسون التفحيط في محاولة منه لإقناعهم بالابتعاد عن تلك الهواية الخطرة؛ وكأني به قد بدأ يشرح لهم ما هم فيه من أمن وأمان وخير في بلادهم؛ ثم بدأ يشرح لهم بالعقل والحكمة مضار مثل ذلك العمل على صحتهم وحياتهم وحياة الآخرين؛ وما يلحقهم من أذى مادي؛ وكذا نظرة معارفهم لهم وهم يمارسون ذلك العمل الذي لا يحمل أية معنى سوى الضياع.
هذا وجه مشرق من وجوه الإدارة الحديثة التي بدأت تنتشر في بلادنا، أعني إدارة العقل والحكمة والهدوء، ومحاولة حل المشاكل بالترغيب لا الترهيب؛ فالإنسان يأتي العمل إما رغبة أو رهبة؛ والرغبة أجدى وأنفع؛ وهو يدل أيضاً على سمو عقلية الأمير الذي آثر الحوار المباشر مع جزء من شبابنا لهم مشاكل تخصهم؛ وهي أيضاً نوع من خلق أرضية جديدة وجديّة بين ولي الأمر وشعبه، وهذا ما ورثه أبناء المؤسس وأحفاده عنه؛ لأن المواطن يرى أنه جزء من هذا الوطن؛ وأن حكومته جزء مهم منه اجتماعيا وفكريا وانتماء؛ فلا غرابة أن يكون هناك زمنية جديدة لمنحى إداري جديد متجدد.
ولعل فيما قام به صاحب السمو الملكي أمير منطقة حائل إشارة لمحافظي المناطق بالذات في أن يكون حل الظواهر غير المرغوب فيها عن طريق الإقناع الذي هو الأكثر فاعلية؛ فإن لم ينفع فالإجراء الإداري القانوني هو الحل.. وهذا المنحى يحتاج لوقت وجهد وعقلية مؤثرة ذات بُعد ثقافي ومعرفي؛ تحياتنا للأمير المتنوّر.. أنار الله أبصار الجميع وهو المستعان.
فاكس 2372911 |