عندما تخرجت من الثانوية العامة قبل ثلاثين عاما اخترت مجال التربية لدراستي، لتصبح فيما بعد همي وهاجسي الذي يجري بداخلي مجرى الدم. لكنني الآن أشفق على التربية عندما أرى الكثير يصعدون على أكتافها ليراهم الناس ليس إلا، أشفق كذلك على التربية، عندما أرى من يحاول اختطافها من أجل خدمة أفكار وممارسات جامدة حرفت التربية عن مسارها الصحيح، ومع ذلك فنحن الآن أكثر تفاؤلا بقرب تحقق طموحاتنا.
أما ثالثة الأثافي وقاصمة الظهر - كما أراها- فتتجلى في بروز رؤى تقلل من شأن التربية، كعلم أصبح يقف شامخا، فهناك إخوة يرون أن نجاح المعلم لا يرتبط إطلاقا بأي خلفية تربوية، فالمهم في نظرهم هو العمق التخصصي فقط، أما التربية فهي مجرد مجموعة ممارسات يكتسبها من يقوم بالتعليم مع المران والخبرة، لن نختلف إطلاقا على أهمية العمق التخصصي، ولكن دعوني أقرب لكم الصورة بمثال بيولوجي، تموت الحيوانات المنوية وتفشل في تلقيح البويضة إذا لم تتواجد هذه الحيوانات المنوية في وسط سائل يعطيها الحياة (Vitality)، وبالمقابل تماما نقول تفشل القدرة التخصصية (الحيوانات المنوية) في تحقيق فهم أفضل للطالب (تلقيح) إذا لم تنفذ في وسط تربوي متقن (سائل الحياة)، تذكروا أن أبناء (العم سام) عندما خططوا للهبوط على القمر لم يتجهوا إلى معهد إم أي تي أو جامعة هارفارد، بل اتجهوا ابتداء إلى المراحل المبكرة من التعليم..
(*) كلية المعلمين بالرياض - فاكس 4915684 |