بالأمس ودعت بريدة خطيبها الشهيد إمام وخطيب الجامع الكبير فضيلة الشيخ محمد السعوي بعد مشوار عامر بالخير والعطاء لن أكتب عن الشيخ ليعلم القارئ الكريم مقدار ما تحمله قلوب الناس في بريدة من حب وتقدير لفقيدهم الكبير.
لن أكتب عن الشيخ لأسطر عن المشاهد المؤثرة وبريدة تحمل على أكتافها الرجل الإنسان قبل ان يكون خطيباً.
لن أكتب عن الشيخ وقلوب الناس قد أعياها الألم من جراء سيل الأحزان المتدفق من هنا وهناك.
لن أكتب عن الشيخ لأنقل آهات الأجيال المتعاقبة من تلاميذه والحزن يلفهم والدمع يسرقهم, والدعوات الصادقة حاضرة في قلوبهم ترفعها إلى الله سبحانه تطلب الرحمة لصاحب القلب الرحيم حينما كان يأسر قلوبهم حباً وإجلالاً وتقديراً.
لن أكتب عن الشيخ لأسطر معاني الرقة في مفرداته والجزالة في عباراته, والروعة في نداءاته.
لكنني أكتب عن الشيخ لأعلنها رسالة صريحة ولأبوح بالسر الخطير الذي كان يمتلكه الشيخ طول حياته!!
يا معاشر العلماء والخطباء..
الشيخ محمد السعوي رحمه الله لم يكن عالماً كما كان قدوته الإمام ابن باز عليه رحمة الله!
لكنه كان عاملاً بما يعلم متجرداً فيما أعلم, سليم الصدر فيما نعلم!
ولعل من أبرز ما يميزه ما يلي:
أولاً: وضوح الهدف والرؤية وتوظيف القدرات الذاتية والعمل من خلالها.
ثانياً: الموضوعية والشمولية في النظرة إلى المستجدات.
ثالثاً: الاعتدال والتوسط بعيداً عن التشنج في المعالجة.
رابعاً: البعد التام عن الخوض في عيوب الآخرين وزلاتهم أو محاولة اسقاطهم أو النيل منهم ولو بالاشارة أو حتى تسفيه أعمالهم ونتاجهم.. وتلك خصلة لا يحسنها إلا الكبار ممن خلصت أعمالهم ونواياهم.
خامساً: السمت الواضح والوقار والحياء ورقة القلب وسلامة الصدر والاجتهاد في جانب التعبد والزهد بالدنيا مع عدم نسيان النصيب منها وغيرها الكثير جوانب تشهد على خيريته -رحمه الله.
سادساً: خبايا الأعمال.. عالم عاشه الفقيد وحرص عليه.
وما سبق نماذج سريعة تفهم اللبيب ويحتاجها الداعية والخطيب ليرتقي إلى عوالم السمو روحاً وعملاً.
مشهد جنازة الشيخ معلم من المعاني المقبرة كما تحمله القلوب من حب لذاك الانسان الفقيد.
وهل ننسى دمعات الشيوخ الكبار وهم يودعون خطيبهم الذي اعتاد الحديث إليهم دون تكلف أو تنميق!
أحدهم والدمع ينساب على وجنتيه علق قائلاً: ما يشوف شر ان شاء الله هالوجه المبارك!
والآخر وأحد أحفاده يعضده بيمناه وبالأخرى يتكئ على عصاه..
والدمع من عينيه ينساب والجسد المكدود وبرغم حرارة الشمس المحرقة لم يمنعه من المشاركة الفعلية روحاً وجسداً.
فإذا به وبصوت متهدج يقطعه النشيج يترحم بعبارات صادقة لأنه فقد حبيباً إلى قلبه لم تكن القرابة ولا المصلحة سبباً لمجيئه! لكنه الحب في الله وفي الله فقط!
أيها القارئ الكريم.. ما الذي جعل النساء في البيوت يبكينه؟
أمال يهبه لهن؟ أم هو الجاه الذي منحهن؟!
كلا وربي!.. إنها محبة الله جعلها في قلوب عباده فهلا فتشنا عن الأسباب والأسرار!
أيها القارئ الكريم.. عالم الآخرة قادم عن قريب..
وفراق الدنيا مصير غيبي ويبقى الاستعداد في كل حين
والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
ومن حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه..
وأقرب الناس منزلة أحسنهم أخلاقاً..
والإحسان قربة, والتواضع مزية, والكبر مذلة, وخير الناس أنفعهم للناس, والشباب وقت العمل, والآخرة حصاد وما عندك أيها القارئ أكثر وأكثر..
لكنها دعوة إلى العودة إلى الهدي النبوي والتفكر في القادم والاستعداد للرحيل.
|