يظنُّ بعض من ينقصهم الفقه في دينهم أنَّ المسلم يوزِّع العداء كيف يشاء، وعلى من يشاء، وأنه لا يحبُّ أحداً، ولا يريد الخير لأحدٍ من غير المسلمين. ويستدلُّ هؤلاء على ظنِّهم هذا بما يرونه من العداء الواضح للصليبيِّين والصهاينة، وبما ينشر ويذاع من عبارات العداء والاستنكار الشديد لما يصنعه الاحتلال الغربي في عالم اليوم، وبما ينطلق من الدُّعاءِ في مساجد المسلمين ومجامعهم على أهل الكفر والنفاق، والعداء والشقاق، ويركز هؤلاء على عبارات الدعاء الشاملة بالهلاك والدَّمار والويل والثبور للكفَّار وذراريهم وأطفالهم ونسائهم، وذلك الدعاء الذي لا تترك عباراته مجالاً لحياة كافر على وجه الأرض، ويشير هؤلاء الذين يظنون أنَّ العداء المطلق لغير المسلمين منهج ديني ثابتٌ لا مجال معه لرحمة أحد، ولا للصلح مع أحد، ولا للتعاون الاقتصادي أو غيره من مجالات التعاون الدنيوي مع أحد؛ يشير هؤلاء إلى ما يركِّز عليه دعاة المسلمين وخطباؤهم وشعراؤهم وعلماؤهم من غرس روح العداء الشامل للكافرين دون ترك بصيصٍ من نور لسلامٍ شاملٍ عادلٍ تستقرُّ به الحياة، ويتحقق به الوفاق بين سكَّان الأرض، والأمن في العالم.
ويتساءلون: لماذا نعادي الآخرين؟ لماذا نعادي أمريكا وفيها التطور العلمي المذهل الذي لا غنى لنا عنه، وفيها أنظمة الإدارة الحديثة التي سهَّلت على الناس معاملاتهم، ولماذا نعادي بريطانيا ونحن بأمسِّ الحاجة إلى علمها، وثقافتها، وكثير من الجوانب الإيجابية فيها، ولماذا لا نرفع إلا أصوات العداء لمن خالفونا في الدين؟ أليس هنالك مجال لغير العداء؟
أسئلةٌ كثيرةٌ في نفوس بعض المسلمين الذين ينقصهم الفقه في دينهم من جانب، وينقصهم الوعي بأسباب العداء ودواعيه من جانب آخر، وهي أسئلة مقبولةٌ ممن لا يدرك معاني الولاء والبراء في الإسلام إدراكاً صحيحاً يضع له معالم واضحة في هذا الطريق.
لماذا نعادي أعداء الإسلام؟ سؤال واضح، وله جواب واضح يقول: لأنهم أعداءٌ واضحون صريحون في عدائهم ،منفِّذون لما يوجبه هذا العداء من الحرب والقتل والإيذاء للمسلمين، لأنهم أعداء ديننا وملّتنا، وأعداء كلِّ مظهر من مظاهر شرع الله، فليس لنا من عدائهم بُدٌّ، بل إننا نشكو من ضعف روح المواجهة لعداوتهم وظلمهم ومصادرتهم لحريات المسلمين، وإهدارهم لحقوقهم، وإراقتهم لدمائهم.
وهنا نتساءل هل يُعَدُّ العداء بهذه الصورة مذهباً لا يجوز الإخلال به، وعملاً شاملاً يصدق على كل من خالفنا في عقيدتنا؟
ونقول ما يقول شرعنا: كلا إنَّ هذا العداء له حدوده ومسوِّغاته، فنحن نقابل به عداء المعتدين منهم، المحاربين لنا، المغتصبين لحقوقنا.
وأضرب مثلاً بأمريكا التي تعد الأنموذج الأوَّل للعداء لنا بسبب نظامها السياسي المتعصب الذي صار تعصُّبه ضد المسلمين واضحاً للناس أجمعين، فإننا - نحن المسلمين - نتعامل مع جامعاتها ومراكزها العلمية المتطورة منذ زمنٍ بعيد، وبين العالم الإسلامي وبينها علاقات تعاون قويَّة، ومصالح علمية واقتصادية مشتركة، وتبادل خبرات منذ القدم، وقد ابتعث العالم الإسلامي مئات الآلاف من أبنائه إلى جامعاتها ومعاهدها ومراكزها، وكلُّ ذلك مُتاحٌ مُباحٌ ما لم يتحوَّل إلى مودَّةٍ وولاءٍ للكافرين، وإنَّما كان عداء المسلمين واضحاً لأمريكا، لأن عداء أمريكا للمسلمين واضح، ولأن القبضة الصهيونية قد أصبحت محكمة على الأحزاب الحاكمة في أمريكا، فهل يقابل المسلمون هذا العداء بالحب والولاء؟ لو أن أمريكا نفَّذت وعودها البرَّاقة في العراق، وكانت مع شعبه المستضعف، وحقنت دماء الأبرياء فيه، لما سمعت منا -نحن المسلمين- إلا الشكر والتقدير، فديننا يأمرنا أن نقول للمحسن أحسنت، ويأمرنا في الوقت نفسه أن نقول للمسيء: أسأت.
إننا نبغض الكافر لما هو عليه من الكفر، ولكن ذلك لا يمنعنا من رحمته إذا استحق الرحمة، ولا يدعونا إلى مصادرة حقه، وظلمه، وقتله بغير حق، بل إننا ندافع عنه إذا اعتدى عليه معتدٍ بغير حق وهو في كنفنا وجوارنا، والقرآن الكريم يحثُّنا على ذلك حَثّاً صريحاً، ويأمرنا بالعدل مع الكفَّار وينهانا أن يكون بغضنا لكفرهم وضلالهم سبباً لعدم العدل معهم.
فلا مجال للاضطراب في فهم حقيقة التعامل مع أولئك الأعداء.
إنَّ المسلمين أرحم بالكفَّار من بعضهم لبعض، والأدلة من الواقع والتاريخ كثيرة لا يمكن حصرها هنا، بل إنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الذي أجلى اليهودَ أهل الشَّوكة ممن سبق لهم العداء والغدر بالمسلمين من جزيرة العرب هو أول خليفةٍ أجرى العطاء من بيت مال المسلمين على فقراء وضعفاء أهل الذِّمَّة، وهذا لا يتعارض مع موقفنا الواضح من كفرهم وضلالهم إنكاراً وبغضاً وبراءةً إلى الله عز وجل. أما الدُّعاء المبالغ فيه فإنَّ شرعنا ينهى عنه، والنصوص واضحة في النهي عن الاعتداء في الدُّعاء، ومن الاعتداء الدٌّعاء بالإفناء الكامل للكفَّار لأنَّ هذا الإفناء الكامل الشامل لن يحدُث لأن الله سبحانه وتعالى قد اخبر نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم أنَّه قدَّر بحكمته ألاَّ يهلك أمته بعامَّة، وليس اعتداء بعض المسلمين في دعائهم دليلاً على أن الإسلام يأمر به.
إنَّ المسلمين اليوم في حالة حربٍ واضحة نراها بأعيينا صباحاً ومساءً، فهل نقابل من يقتل المسلمين بلا هوادة، بغصون الزيتون؟
إشارة
وكم صاحبٍ يبدي لك الود والرِّضا
وفي قلبه حقد عليك دَفينُ |
|