تغيير هوية وشعار المنشأة بين القبول والرفض
سلطان بن محمد المالك (*)

من الملاحظ في الآونة الأخيرة وبشكل لافت للانتباه قيام العديد من الشركات والمنشآت العالمية وكذلك مجموعة من الشركات المحلية بإجراء تغييرات جذرية في هويتها وشعارها الذي عرفت به منذ تأسيسها. هذا المقال يتطرق لهذا الموضوع بشيء من الإيجاز مع سرد بعض الأمثلة لأسماء شركات معروفة قامت بتغيير هويتها أو شعارها؟ ونود الإشارة إلى أن ما سيرد ذكره من أمثلة لاحقا هو بهدف إيضاح الموضوع وليس للدعاية والإعلان عن أي من الشركات المذكورة كأمثلة!! كذلك سوف نذكر بعض الأسباب التي تدفع هذه الشركات للقيام بمثل تلك الإجراءات على الرغم من تمتعها بسمعة ممتازة في السوق واحتفاظها بقاعدة عريضة من العملاء الموالين مدعم بتواجد وخبرة لمدة طويلة في السوق.
ونقصد بهوية المنشأة (Corporate identity) تلك الصورة الحسنة التي ترغب إدارة المنشأة أن تكون عليها المنشأة والتى تعكس قيمها ورؤيتها ورسالتها التي وجدت من أجلها سعيا منها نحو تحقيق الأهداف العامة للمنشأة.
بمعنى آخر هي المرآة التي ترغب المنشأة أن يراها بها الآخرون خارج نطاق عملها.
وهنا غالبا ما تحرص المنشآت على اختيار أسماء وشعارات لها مميزة ترسخ في أذهان المستهلكين لمدة طويلة تعكس تماما الصورة والقيم التي وجدت من أجلها.
إن قرار تغيير هوية المنشأة هو قرار استراتيجي هام يعكس استراتيجية التغيير التي تنوي المنشأة القيام بها وعادة ما يتم اتخاذه من قبل أعلى السلطات التنفيذية في المنشأة.
ومثل هذا القرار ليس بالقرار السهل اتخاذه إطلاقا، حيث إن عملاء المنشأة عادة مايبنون ولاءهم لفترة طويلة وحيث يكون الشعار والهوية راسخين في أذهانهم وأي تغيير في الهوية قد يؤثر بالتالي على ولائهم وعلى قيم الشركة ككل سلباً أو إيجاباً.
وقد يشمل تغيير الهوية أحداً أو جزءاً أو كل العناصر التالية: تغيير للشكل الخارجي للشعار فقط، تغيير كامل لاسم العلامة التجارية، تغيير الألوان مع الإبقاء على نفس الشعار السابق والعلامة التجارية أو جميع ما ذكر.
ويصاحب عملية تغيير الهوية الكثير من الأعمال الواجب على الشركة القيام بها وتشمل توفير ميزانية ضخمة للقيام بهذا المشروع بحيث توزع هذه الميزانية على حملة إعلانية مكثفة للتعريف بالشعار الجديد وإيصال رسالة واضحة لعملاء الشركة عن هذا التغيير، تغيير لجميع وثائق ومستندات المنشأة ذات الهوية القديمة، تغيير للوحات الخارجية وغيرها ينبغي الإشارة هنا إلى أن مهمة تغيير الهوية والبحث عن بدائل أخرى غالبا ما تتولى القيام بها شركات متخصصة في هذا المجال يمثلها عادة مجموعة مستشارين محترفين ذوي خبرات طويلة في هذا المجال.
ومن الخطأ أن تقوم إدارة الشركة باتخاذ قرار تغيير الهوية بمفردها وبدون استشارة هذه الجهات.
وكذلك من الخطأ أن تسند المهمة بالكامل لهذه الشركات التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق الربح. والخيار الأمثل الذي نوصي به هو المشاركة بين إدارة المنشأة والشركة المتخصصة وإن أمكن استشارة بعض عملاء الشركة المميزين ذوي الولاء التام للشركة.
وتشير الدراسات إلى أن متوسط المدة التي تبقى فيها الهوية بدون تغيير تتراوح من 10 الى 15 سنة إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأت هذه المدة تتقلص نتيجة لبعض الأسباب التي سيرد ذكرها لاحقا.
كذلك تشير بعض الدراسات إلى عدم تقبل العملاء للهوية الجديدة منذ أول وهلة وذلك بسبب اعتيادهم على الهوية والشعار الأول ومع مضي الوقت سوف يعتادونها وتصبح جزءاً من حياتهم.
الأسباب الرئيسية لتغيير هوية المنشآت:
بشكل عام تسعى الشركات لتغيير هويتها لمواكبة التغيرات التي تحدث في الأسواق ولتلبية متطلبات السوق والعملاء.
إلا أن هناك مجموعة من الأسباب التي تدفع الشركات إلى اتخاذ مثل هذا الإجراء نوجزها فيما يلي:
1- في حالة حدوث تغيير جذري في رؤية ورسالة الشركة وهذا بطبيعة الحال يتطلب القيام بتعديل الهوية لتعكس بالتالي التغيير في الرؤية والرسالة الجديدتين.
2- تحول المنشأة من مؤسسة حكومية الى منشأة ربحية برؤية ورسالة جديدتين كما حدث لشركة الاتصالات السعودية بعد تخصيصها وتحولها الى شركة مساهمة ربحية.
3- بسبب التطور والتغيير من أجل تحقيق التقدم والنمو والتكيف مع العالم الخارجي المتغير باستمرار كما حدث لشركة الاتصالات الإماراتية حيث تم الإشارة إلى ذلك في موقع الشركة على الشبكة العنكبوتية كما ينص هذا الاقتباس (لتبيان حجم النمو الذي حققناه ونظرتنا إلى المستقبل واهتمامنا بعملائنا، فقد طرحنا شعارا جديدا وهوية جديدة لمؤسستنا)
4- مواجهة التحديات والصعوبات الخارجية المحيطة بالمنشأة من قبل المنافسين من خلال محاكاتها في العلامة التجارية أو استخدام شعار مشابه لشعارها، ومثال لذلك ما قامت به شركة فيدرال إكسبرس Federal Express العالمية من تعديل لاسمها وهويتها على الرغم من تميزها في الاسم الأول والذي يدل على سرعة الخدمة، ولكنها اضطرت للتغيير بسبب دخول منافسين جدد لها يستخدمون كلمة إكسبرس مضافة لأسمائهم وبالتالي هي خسرت تميزها وقامت بتغيير اسمها إلى فدكس Fedex للتغلب على تلك المعضلة.
5- اختلاف العادات والتقاليد بين الشعوب وكيفية التوافق معها في حالة الدخول في أسواق عالمية جديدة، فبعض الشركات العالمية قد تجد نفسها مضطرة إلى إجراء تغييرات محدودة في هويتها عند الدخول في أسواق جديدة خارج نطاق أعمالها وذلك لتتوافق مع عادات وتقاليد الأسواق الجديدة.
فبعض العلامات والشعارات تكون مقبولة في بلد ما وغير مقبولة في بلد آخر.
مثال ذلك: ماقامت به شركة كنتاكي فرايد تشيكن Kentucky Fried Chicken من تعديل لهويتها بالكامل وشعارها بعد أن وسعوا قائمة منتجاتهم ولاحظت الشركة أن هناك عدم قبول لكلمة فرايد لدى بعض العملاء ولذلك قاموا بتغيير الاسم بالكامل مع الاحتفاظ بالألوان والشعار السابق للشركة العريقة ليصبح الاسم الجديد مختصرا إلى KFC وتم بعد ذلك تعميمه في كل البلدان التي تتواجد فيها الشركة.
6- تقادم أو ضعف الهوية الحالية للمنشأة وإحساس مسئولي المنشآت بأن ذلك يعوق تقدمهم على سبيل المثال أطلقت شركة هرفي للخدمات الغذائية إحدى الشركات الوطنية الرائدة في مجال الوجبات السريعة في المملكة مؤخرا شعارا جديدا متزامنا مع مرور 24 عاما على إنشائها.
وفي تصريح لرئيس الشركة (جريدة الجزيرة 28 ربيع الأول 1425هـ) : (سعينا أن نقدم الأفضل من واقع فهمنا للسوق ووعينا لما يدور حولنا بالعالم واليوم ارتأت هرفي أن التطور يجب أن يمتد ليشمل حتى الشكل العام لمطاعمها وشعارها).
7- تغيير في ملكية الشركة بدخول شركاء جدد ممثلين بشركات جديدة وذلك من خلال الاندماج أو شراء شركة جديدة ومثال لذلك الشراكة الاستراتيجية التي تمت بين مجموعة الفيصلية ممثلة بشركة الصافي السعودية وشركة دانون الفرنسية.
ونتيجة لذلك أصبح الشعار الجديد يحتوى على علامتين تجاريتين هما الصافي ودانون.
8- محاولة التصدي ومواجهة المنافسة الخارجية من قبل الشركات المنافسة التي سبقت الشركة في تغيير هويتها (وخير مثال لذلك ما تقوم به العديد من البنوك المحلية من تغيير لهوياتها على سبيل المثال: البنك السعودي الفرنسي، مجموعة سامبا، شركة الراجحي المصرفية، بنك الرياض وأخيرا البنك الأهلي)
9- تغيير في توجه الشركة واستراتيجيتها بشكل عام وذلك بتوسيعها لنطاق أعمالها وأنشطتها التجارية وتنويع منتجاتها، مثل ما قامت به شركة المراعي من تغيير للشعار الخارجي والألوان والإبقاء على نفس العلامة التجارية الأساسية للشركة
10 - الهوية السابقة للشركة لا تعكس قيمها ومنتجاتها وخدماتها الجديدة مثال ذلك ماقامت به الخطوط الجوية العربية السعودية من تغيير كامل شامل لهويتها وشعارها وقيمها.
11- تقسيم الشركة الى مجموعة من الشركات الفرعية، ووضع شعار وهوية مستقلة لكل شركة على حده.
12- الاسم الحالي للشركة غير مقروء بسهولة ومظلل أو أنه مكتوب في لغة واحدة فقط.
13- في حالة إفلاس الشركة وتعرضها لخسائر في عملياتها وإعادة طرحها للسوق من جديد مثل شركة انرون الأمريكية والتي سوف يعاد طرحها باسم وهوية جديدين.
14- تغطية جوانب القصور في الهوية والشعار القديم وذلك الإجراء يكون مبنيا على ملاحظات وتوصيات تمت ملاحظتها من داخل أو خارج المنشأة ولإيضاح أهمية تغيير الهوية لعملاء المنشأة تقوم بعض الشركات الأجنبية بإتاحة فرصة المشاركة في إبداء الرأي بتغيير الاسم أو الشعار لعملائها المميزين من خلال عقد مايسمى مجموعات العمل المركزة Focus groups مثل ما قامت به شركة كيليقوز العالميةkellogg' s . هذا التوجه ينبغي أن تستخدمه المنشآت التي تهتم بولاء عملائها.
نخلص مماسبق إلى أن أية منشأة مهما بلغ حجمها صغيرة، متوسطة أم كبيرة يوجد لديها هوية وشعار، ونرى أن قرار تغيير هوية وشعار المنشأة هو خيار طبيعي وصحي للغاية تلجأ إليه المنشآت عند إحساسها بالرغبة في التغيير أو أن تجد نفسها مضطرة للتغيير وذلك لمواكبة التغيرات والتوجهات المحيطة بالمنشأة. والسؤال المهم هو كيف يتم إدارة هذه الهوية والتعامل معها؟.
ومن مسؤولية الإدارة العليا في المنشأة أن تقيم هويتها بين فترة وأخرى للتعرف على مدى حاجتها إلى القيام بتغييرها حيث إن هذا القرار استراتيجي وهو قرار ينبغي أن تتم دراسته بكل عناية واهتمام من جميع النواحي قبل الإقدام عليه.
أختم هذه المقالة بطرح مجموعة من التساؤلات الهامة: هل قرار تغيير الهوية والشعار سليم أم غير سليم؟ وهل تراعي الشركات عملاءها قبل القيام بمثل هذا الإجراء من خلال إتاحة الفرصة لهم بالمشاركة وإبداء الرأي؟ هل تقوم الشركات بتقييم لتلك الخطوة التي أقدمت عليها بعد تغيير هويتها؟ أسئلة كثيرة إجابتها بالتأكيد لدى متخذى قرار تغيير الهوية!!!