عندما نستمع لنشرات الأخبار، أو نطالعها في صفحاتها نجد أن للمسلمين نصيب الأسد من التقتيل والتشريد والتهديد، ننظر في حال المسلمين في فلسطين، وفي العراق، وفي غيرهما من البلدان، نجد أنهم يحاربون بأشد الأسلحة وأنكاها، بل ننظر إلى هذه البلاد المباركة، التي لا يوجد على وجه الأرض اليوم خير منها، حيث يحكم فيها كتاب الله، ويؤمر فيها بالمعروف، وينهى فيها عن المنكر، ويحفظ فيها القرآن الكريم، ويحارب فيها الفساد. ولكنها لم تسلم، إنما بليت بالعقوق من قبل بعض أبنائها، وخاصة ممن أعماه هواه، وأضله شيطانه، فصار يخطط وينفذ لتقتيل إخوانه المسلمين، وترويع آبائه الآمنين. حتى الذين يسهرون على أمنه، ويعملون على حفظ عرضه، لم يسلموا من شره، إنما جازاهم عن ذلك تفجيرا وتقتيلا.
فواقع الأمة واقع مرير، ولست بصدد تجديد الجراح، ولكني أود أن أشعر كل مسلم على وجه الأرض بأن عليه جزءا من مسؤولية ما يقع بأمته، وهذه المسؤولية التي ضاعت بين المسلمين، فصار أكثرهم يلقيها على غيره، ويخرج نفسه منها، كما تخرج الشعرة من العجين، أقول: هي مسؤولية الجميع فيكفي تحويلا وتجييرا، يأتي بعضهم، فيلقي اللوم على غيره، سواء كان على حاكم أو عالم، ونفسه عنده من الذنوب ما يكون سببا في هلاك أمة بأسرها. تجده في مجالسه، يحلل ويعلل، ويخطأ ويصوب، ويقعد وينظر، وقد عمي عن ذنوبه، وما يترتب على أمته بسبب تقصيره وفساده.
إن مصائب أمتنا، في كل مكان على أرضنا، سواء هنا، أو في فلسطين أو في العراق، أو في غير ذلك، سببه ما تكسب أيدينا، قال جل جلاله: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} فسبب مصائبكم، هو ما تفعله أيديكم، وكما قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} هذه الآية نزلت ببعض أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم-، وذلك عندما خالفوا أمرا واحدا من أوامره - صلوات ربي وسلامه عليه - عاقبهم الله بسبب مخالفة ذلك الأمر! فكيف بنا - معشر المسلمين - وقد وصل بعضنا إلى حد الشرك بالله عز وجل، طواف بالقبور، توسل بالصالحين، زيارات للأضرحة، حكم بغير ما أنزل الله، وغير ذلك، كما هو في كثير من البلاد الإسلامية فصدق الله {هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} يقول أحد السلف، والله إني أعصي الله، ثم أجد ذلك في خلق دابتي وزوجتي، وآخر لما انقطع شراك نعله، قال: استغفر الله، إني لم أغتسل لصلاة الجمعة، فلماذا نلقي اللوم على غيرنا، لماذا نتهم غيرنا ونبرئ أنفسنا، هلا استشعرنا تقصيرنا؟ هلا أحسسنا بمسؤوليتنا؟.
يقول الله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يقول ابن كثير في تفسيره: كذلك نفعل بالظالمين نسلط بعضهم على بعض ليهلك بعضهم ببعض، وننتقم من بعضهم ببعض، جزاء على ظلمهم وبغيهم.
فأعمالنا هي سبب ما حل بنا وبأمتنا، ولا غرابة في ذلك فشؤم المعاصي يصل إلى الطيور في أوكارها، يقول ابن القيم- رحمه الله-: لم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام، والطواعين والقحوط والجدب وسلب بركات الأرض وثمارها ونباتها، وسلب منافعها أو نقصانها أمورا متتابعة يتلو بعضها بعضا، فإن لم يتسع علمك لهذا فاكتف بقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ونزل هذه الآية على أحوال العالم، وطابق بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفات والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان، وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أخر متلازمة، بعضها آخذ برقاب بعض، وكلما أحدث الناس ظلما وفجورا، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات، والعلل في أغذيتهم وفواكههم، وأهويتهم ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم.. إلى آخر ما قال- رحمه الله-.
فعمل الإنسان له تأثير بالغ بما يحدث له وحوله، يقول أحدهم: ما زلت أسمع الناس يقولون: أعمالكم عمالكم، كما تكونوا يولى عليكم. إلى أن ظفرت بهذا المعنى في القرآن، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا} وكان يقول: ما أنكرت من زمانك فإنما أفسده عليك عملك.
فحري بالمسلم أن يكون عاقلا مدركا لما حوله من أحداث، ومستشعرا مسؤوليته عما يقع في محيطه من فتن، وبهذا تنهض الأمة من رقدتها، وتخرج من محنتها؛ لو أن كل مسلم استشعر هذا الأمر، فحاسب نفسه، وتدارك تقصيره، وقام بما أوجب الله عليه، لتغير واقع الأمة إلى الأفضل، وكما قال تبارك وتعالى: {ِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فهي دعوة صادقة لكل مسلم في هذه البلاد، وفي غيرها من البلدان، بالعودة الصادقة للكتاب والسنة، فهما اللذان لا يضل من تمسك بهما أبدا، وكفى تنصلا من المسؤولية، كفى لوما للغير وتزكية للنفس، فقد سمع الحسن البصري رجلا يدعو على الحجاج، فقال له: لا تفعل، إنكم من أنفسكم أتيتم، إنا نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن يستولي عليكم القردة والخنازير، فقد روي أن أعمالكم عمالكم وكما تكونون يولى عليكم.
( * ) حائل |