* بريدة - خاص ب (الجزيرة):
أكد رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة القصيم د.علي بن محمد العجلان، على أهمية تفعيل دور جمعيات التحفيظ في علاج كثير من القضايا والمشكلات الاجتماعية، بما يتفق مع رسالة هذه الجمعيات في تربية الأجيال الناشئة على تعاليم القرآن الكريم، وآدابه، وحمايتهم من الانحراف أو الانسياق وراء دعاوى باطلة، والاستفادة من الآلاف من خريجي جمعيات ومدارس التحفيظ في هذا الصدد.
وشدد د.العجلان - في هذا الحوار بمناسبة انعقاد الملتقى الأول لجمعيات التحفيظ في محافظة الطائف نهاية الشهر الجاري - على أهمية دور الأسرة في حث الأبناء لتعلم كتاب الله، والتخلق بأخلاقه، والانتظام بحلقات ومدارس التحفيظ، وعدم التأثر بالدعاوى المغرضة التي تشكك في جمعيات التحفيظ باتهامات باطلة، تهدف لعرقلة مسيرتها المباركة في خدمة القرآن الكريم.
وفيما يلي تفاصيل الحوار..
* بداية نسأل هل تأثرت حلقات ومدارس التحفيظ بالدعاوى المغرضة وحملات التشكيك في عملها، التي يروج لها أعداء الإسلام وأتباعهم، من حيث حجم الإقبال على الدراسة بها؟
- دعنا لا ننشغل كثيراً بهذه الاتهامات الباطلة التي يعرف الجميع أسبابها، ودوافع من يروجون لها، ونقف فقط على الحقائق التي لا مجال للتشكيك فيها، والأرقام تقول إن جمعيات التحفيظ وحلقاتها ومدارسها، والدور النسائية التابعة لها، تقوم بدور عظيم في العناية بالقرآن الكريم في جميع مناطق المملكة، وفي منطقة القصيم وحدها أكثر من (1375) حلقة وفصل لتحفيظ القرآن، تستوعب أكثر من (26) ألف طالب وطالبة، وهذا العام فقط أتم حفظ القرآن كاملاً (415) طالباً وطالبة من المنتظمين في هذه الحلقات، والدور النسائية، وبمقارنة هذه الأرقام بما كانت عليه العام الماضي، نجد أن حلقات القرآن تتطور وتتضاعف مخرجاتها من الحفظة والحافظات، وفي هذا أبلغ رد على المشككين والمغرضين.
* يتخوف بعض الآباء والأمهات من تعارض دراسة أبنائهم بالمدارس والجامعات، مع انتظامهم بحلقات ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، فكيف يمكن تلافي هذا التعارض إن كان موجوداً، وهل ثمة علاقة بين حفظ القرآن الكريم والتفوق العلمي؟
- الأسرة لها دور كبير في تربية الأبناء، وتحفيزهم لتعلم كتاب الله، وحفظه، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، من خلال جمعيات التحفيظ، فإذا جعلت الأسرة من أولوياتها الاهتمام بالأبناء، وحثهم على حفظ كتاب الله، وتهيئتهم للالتحاق بالحلق، وإشعارهم بالأجر المترتب على هذا العمل، كان للأسرة دور رائد في تحمل مسؤولياتها تجاه أبنائها، وتعميق الثقة لديهم بأنفسهم، وقدراتهم، الأمر الذي يؤدي إلى إيجاد القناعة لدى الأسرة، ولدى الأبناء بأن التحاقهم بالحلق لا يتعارض مع دراستهم، بل يزيد من تفوقهم، ويجعلهم منظمين في دراستهم، وفي ضبط أوقاتهم من خلال ما يتلقونه من آداب القرآن الكريم، وتعاليمه التي تمنحهم الاستقرار النفسي، وتوطنهم على السكينة فيبتعدون عن الهموم، والهواجس التي يشعر بها من فرغ صدره من آيات كتاب الله.
فتعلم كتاب الله يحفظ الإنسان من الضياع والفساد ورفقة السوء، ومثل هذا التخوف ليس له ما يبرره، بل العكس، إذ إن المشاهد في واقع الجمعية وطلابها، والذي شهد به الكثير من المعلمين والمشرفين في مدارس التعليم العام هو تفوق طلاب الجمعيات على غيرهم من ناحية السلوك، والانضباط، وكذلك من ناحية التفوق الدراسي، وتحقيق النجاحات المتقدمة، ويمكن تلافي مثل هذا التعارض إن وجد عن طريق تنظيم التقويم الدراسي في الحلق، بما يتلاءم مع التقويم الدراسي العام، مع العلم أن غالبية الجمعيات تأخذ في الاعتبار هذا الشيء، وتبرمج نشاطها بما يتلاءم مع دراسة الطالب، بحيث لا يتأثر مستوى الطالب الدراسي في المدرسة، لذا فإن هذا القول عار عن الصحة، والدراسات تؤكد أن المتميزين من الطلاب هم أبناء الجمعيات، وعليه فالانتظام في حلقات التحفيظ لا يتعارض مع قدرة الطلاب على التحصيل العلمي، والتفوق الدراسي.
* تتنوع وسائل تحفيظ القرآن الكريم، وتختلف باختلاف المعلم في حلقات ومدارس التحفيظ، وتتفاوت تبعاً لذلك النتائج من حلقة إلى أخرى، فهل ثمة آلية أو رؤية منهجية مثلى يمكن تعميمها للحصول على أفضل النتائج؟
- تنبع أهمية مادة طرق التدريس في جمعيات التحفيظ من مكانة وشرف الكتاب الذي يدرس، فلا بد عند اختيار منهج وآلية تدريس كتاب الله من أن تراعى غايات وأهداف حلقات القرآن الكريم، والمهارات المعرفية، والصفات المهنية والشخصية المطلوبة لمعلم ومعلمة القرآن الكريم، بحيث يكون كل منهما على علم ودراية تامة بكيفية تعليم كتاب الله، وطرق القراءة والإقراء، وأساليب التواصل والتفاعل مع الطلاب والطالبات، وبناء الثقة، وتعزيز مهارات معلمي ومعلمات القرآن لإدارة الحلق، وذلك من خلال عقد الدورات التدريبية، واقتراح الحلول التربوية الناجحة التي تعين المعلم على اجتياز ما قد يواجه من عقبات أثناء قيامه بعمله، ومساعدته في ضبط الحلقة، مع ضرورة أن يكون المعلم أو المعلمة في تواصل دائم لمتابعة ما قد يستجد من وسائل تربوية وتدريبية، ومنهجية لتطوير تعليم القرآن، والدور الإيجابي الذي يؤديه من يقوم بذلك، والابتعاد عن الطرق التقليدية التي تفتقد إلى الدور الذي يجب أن يستشعره كل من يقوم بخدمة كتاب الله.
* وماذا عن الصفات الواجب توافرها في معلم القرآن الكريم؟
- أول الصفات التي يجب توفرها في معلم القرآن الناجح: الإخلاص، وصحة المعتقد والمقصد، فينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن من يقوم بهذه المهمة لا بد من أن يستشعر أنها رسالة عظيمة تتطلب أن يكون القائم بها على قدر كبير من الكفاءة الذاتية، والرغبة المهنية، والمهارات التدريسية، يضاف لذلك حسن الخلق، والصبر على تحمل مشاق هذه الرسالة العظيمة، مع الرفق والعدل والتواضع وتوفر قوة الشخصية، والقدرة على القيادة والاهتمام بالمظهر، مع السلامة من العيوب الخلقية، فإذا توفرت هذه الصفات في المعلم فإنه يكون معلماً ناجحاً، وقدوة لطلابه.
* تتعرض الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم من آن لآن لحملات يشنها أعداء الإسلام بدعوى أنها تكرس للغلو والتطرف الديني، فكيف يمكن الرد على هذه الحملات، وبيان كذبها وتدليسها، وما هي مسؤولية القائمين على هذه الجمعيات والحلقات في ذلك؟
- لاشك في أن أعداء الإسلام لا يهدأ لهم بال إلا بشن الحملات الهجومية على القرآن الكريم، بهدف إضعاف مكانة القرآن الكريم في قلوب المسلمين، في إطار محاولتهم المستمرة لتشويه صورة الإسلام، والتشكيك في مصادره، وهذه الحملات الخبيثة امتداد لحملات سابقة ومغرضة منذ القدم، كان مصيرها الفشل، لأن المسلمين ما يزيدهم هذا إلا تمسكاً بقرآنهم، والمحافظة عليه، والذود عنه، وتعرية هذه المحاولات الفاسدة تكون بنشر أحكام الإسلام وتعاليمه، والأخذ بوسطيته، والبعد عن الغلو والتطرف، وبيان سماحته وعدله، ومسؤولية القائمين على الجمعيات، والحلقات في مواجهة هذه الحملات هي مضاعفة جهودها في تحصين الناشئة من التأثر بهذه السموم والانجراف وراءها، وذلك من خلال ربطهم بكتاب الله، وإشعارهم بأهمية احترام القرآن وتوقيره وتعظيمه في نفوسهم، والتأدب بآدابه، والتخلق بأخلاقه، والعمل به، ليصبحوا مضرب مثل لغيرهم، وقوة دافعة لمثل هذه الحملات المسعورة.
* استطاعت تقنيات الاتصال الحديثة استقطاب أعداد متزايدة من الناشئة والشباب، فكيف يمكن لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم الاستفادة من هذه التقنيات لحث الناشئة والشباب على الانتظام في الحفظ، وهل تتوافر لدى الجمعيات الإمكانات المادية والفنية لذلك؟
- استعمال التقنيات الحديثة، وعلى رأسها الإنترنت في جمعيات التحفيظ، من الأمور التي ينبغي للجمعيات أن تأخذ بها في وقتنا الحاضر، لما لهذه التقنية من دور كبير في نقل المعلومة وتوصيلها، وقدرتها على مخاطبة أعداد كبيرة من المسلمين، واختصار الوقت، ويمكن الاستفادة من هذه التقنية الحديثة من خلال إقامة الدورات لمدرسي الحلق، وبيان كيفية استخدام هذه التقنية، وتوظيفها في سبيل تعليم القرآن الكريم وتعلمه، وامتلاك الوسائل التي تساعد على ذلك، ولا شك في أن الإمكانات المادية،التي تتفاوت من جمعية وأخرى، تعوق هذا الهدف، ولكن لو تبنت الوزارة الأمر بحيث تساعد الجمعيات في الاستفادة من هذه التقنية بتوفير الإمكانات المادية اللازمة لها، وكذلك عقد الدورات، ووضع الخطط والبرامج اللازمة، وتعميم ذلك على الجمعيات، لأمكن بمشيئة الله الوصول لنتائج أفضل.
* تخرج الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في المملكة آلاف الحفظة من الذكور والإناث، فكيف يمكن الاستفادة من هذا العدد الكبير في التصدي لبعض السلوكيات الاجتماعية الخاطئة والانحرافات؟
- يمكن الاستفادة من خريجي الجمعيات الخيرية على هذا الصعيد من خلال قيامهم بالعمل في الجمعيات، سواء في التدريس في الحلق، أو من خلال الإشراف والتوجيه على الحلق، بحيث يؤدون الدور المنوط بهم، الذي أعطتهم إياه الجمعيات، من خلال أنها علمتهم وحفظتهم القرآن الكريم، وأهلتهم، فهم أولى من يقوم بهذه المهمة، وتعليم كتاب الله وتحفيظه، والحفاظ على شباب المسلمين من الانجراف وراء السلوكيات الخاطئة والرذيلة، عن طريق ربطهم بكتاب الله، والتأدب بآدابه، والعمل به من خلال الحلق، كما أن الجمعيات لها دور اجتماعي، وتوجيهي في علاج بعض القضايا الاجتماعية من خلال الرسالة التي تقوم بها، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، بتربية الأجيال الناشئة على كتاب الله، وتنشئتهم النشأة الصالحة، ليكونوا قدوة لغيرهم، ولتسعد بهم أسرهم ومجتمعهم، ويكونوا لبنة صالحة في بناء هذا المجتمع، وتنميته، والحفاظ على ثوابته ومكتسباته، ويتوقف النجاح في أداء هذا الدور على مدى وعي وفاعلية القائمين على هذه الجمعيات في كل منطقة.
* كثير من حفظة القرآن الكريم بدأوا الحفظ في سن مبكرة جداً من 5 إلى 6 سنوات، فما هي الآثار المترتبة على الحفظ في هذا السن، وانعكاساتها على سلوك الحافظ في مراحل عمره التالية، وما مسؤولية الآباء والأمهات في هذا الصدد؟
- لا شك في أن مرحلة الصغر مرحلة مهمة في حياة الطفل، فإذا اهتمت الأسرة بهذا الطفل في هذه المرحلة، ووجهت أبناءها وبناتها إلى حفظ كتاب الله الكريم في هذا العمر، فسوف يؤدي إلى نتائج طيبة، وثمار مباركة، وتكون لديهم ملكة للحفظ في وقت مبكر، وهو الأمر الذي يؤدي إلى قصر مدة الحفظ لكتاب الله كاملاً، أو أجزاء منه، حيث إن الملاحظ من خلال التجارب أن نسبة كبيرة من الطلاب من خلال المسابقات حفظوا القرآن الكريم في الصغر نتيجة رعاية الأسرة، وتشجيعها لذلك، بخلاف الذين تأخروا في الحفظ عن هذا العمر، حيث طالت مدة حفظهم، مما يثبت أن الحفظ في الصغر يختصر مدة الحفظ، ويساعد على ضبط القرآن، وعدم تفلُّته.
|