الشعر صعب وطويل سُلَّمُهْ
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمهْ
زلَّتْ به إلى الحضيض قدمُه
يريد أن يعربه فيعجمه |
صدق القائل لهذين البيتين -رحمه الله- فلقد حاولتُ الشعر فأباني على مدى أكثر من نصف قرن، حاولته أيام الطلَب (طلب العلم) وحاولته بعد التخرج فعصى، وسلَّمتُ أمري لله فاطَّرَحتُ المحاولات جانباً ولجأت إلى النثر كتابةً وخطابة فاستسلم لي، ومارسته عدة عقود من الزمن ولازلت على قدر علمي وفهمي المحدودين.
هذه مقدمة قصيرة قد يكون لا محل لها من الإعراب كما يقول النحاة وأرباب اللغة. ولكني تناولت القلم لأكتب عن شاعرٍ جهير الصوت، ذائع الصيت، شاعر ملأ الدنيا بالدواوين وأثرى المكتبة العربية بالمؤلفات العديدة في هذا المضمار، حتى اعْتُبرَ من أواخر الشعراء الفحول، حَيث يُعَدُّ من شعراء العامَية والتفعيلة الذين لهم باع طويل لا يبارى بهم بالميزان الذي وضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي في معظم الأحيان. وإذا عُدَّ الشعراء المشاهير كمحمد سرور الصبان والعواد وحمزة شحاتة وحسين عرب وحسين سرحان وابن عثيمين وحمد الحجي وعثمان بن سيار المحارب وسعد البواردي والقنديل والزمخشري (بابا طاهر) عدَّ من بينهم _رحم الله معظمهم ممن ماتوا وأطال في عمر الباقين- ولا ننسى غازي القصيبي والقرعاوي والعشماوي والمسيطير والدامغ وغيرهم كثير. وما أردت إلا ضرب الأمْثِلَةِ.
أما الشعراء الذين يُسمُّون بالحداثيين فلا نصيب لهم عندي ولا أعُجَبُ بشعرهم إلا فيما ندر. وقد نسمِّي إنتاجهم شعراً منثوراً. أو نثراً مشعوراً أحياناً إن صح التعبير.
نعود إلى فقيدنا العزيز الأستاذ حسن ابن عبدالله القرشي فإنه أشهر من نار على علم، فلقد غاب عن دنيانا الفانية ورحل إلى الدار الباقية في هذا الأسبوع، ولقد أصبح الموت يخترق بقية الشعراء الذين يحملون هذه الصفة بحق حقيق وهذا حال الدنيا ومصيرها- ولكل حي نهاية- وصدق الله القائل{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} .
وقبل الختام أسَجِّل هنا أنني عشتُ في عصره، وعملتُ معه في مكتب وزير المالية والاقتصاد الوطني منذ مدة طويلة فكان نعم الزميل والمدير في آنٍ واحدٍ.
كان رقيق الحاشية، رقيق الإحساس يتسم بالوداعة واللطف والإيناس، لا تفارق الابتسامة محياه، ويتعامل مع زملائه في العمل برفقٍ واناةٍ وحكمةٍ بالغة {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} .
وطال عمله في تلك الإدارة عدة سنوات ثم انتقل إلى المجال الدبلوماسي حتى تقاعد وتفرغ للأدب والثقافة وحتى أنه يعتبر من أبرز بني جنسه أديباً عفيفاً، ومثقفاً حصيفاً.
فرحمه الله رحمةً واسعة، وعوضنا عنه خيراً، وأنزل على أهله وذويه العزاء والسكينة وجعل مقامه في عليين، وغفر لنا وله وللمسلمين أجمعين الأحياء منهم والميتين. والحمد لله رب العالمين
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.
*رفيق دربه وصديق عمره
فهم السابقون ونحن اللاحقون
|