يقول جوته: (الذي لا يعرف كيف يتعلم من دروس ثلاثة آلاف سنة من التاريخ يبقى في العتمة، وفي الظلام حتماً تستوي كل الألوان).
تركب أساطيل الديمقراطية أمواج القرصنة عندما تصبح أنانية تسير مصالحها تحت عباءة الحرب وهذا ما فعلته وتفعله إدارة الرئيس الأمريكي بوش بديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهي تحاول أن تجر العالم إلى ظلام الإرهاب الدامس.
كان الكاتب غيورغي غاتشيف في كتابه (الفن واللاوعي) يقول إن الفن أسمى وسيلة للوعي. وهذا ما مثله المخرج المشاغب الأمريكي مايكل مور في فيلمه (فهرنهايت 9/11) والذي نال الجائزة الأولى (السعفة الذهبية) في مهرجان (كان) السينمائي الأخير، وفيلم مايكل مور أثار ضجة كبرى في الولايات المتحدة الأمريكية في أثناء انتاجه وبعد انجازه، والقضية التي يحاول أن يطرحها المخرج الأمريكي مايكل مور هي أن حرارة أحداث الثلاثاء الأسود في سبتمبر حرقت كل القيم التي تستند عليها الديمقراطية الأمريكية، ولخص ذلك في الحوار الذي أجرته معه صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية حين قال:( آمل أن أحث الناس خاصة الأمريكيين على التفكير ملياً في الآتي: لقد كذب الرئيس بوش طوال السنوات الأربع الماضية على الشعب الأمريكي فلماذا بعد التعبير الرائع عن تعاطف العالم بأسره مع الولايات المتحدة في أعقاب الحادي عشر من أيلول نبدو الشعب الأشد قسوة على هذه البسيطة؟) وحاول مور أن يثبت كيف أن بوش كان قد استغل حرارة أحداث الحادي من سبتمبر ليغلي بها قدر الشعوب في أفغانستان والعراق في حربين قذرتين بعد تجاوز المجتمع الدولي وفي انتهاك سافر لكل المواثيق والأعراف الدولية ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة لمعاملة أسرى الحرب والتي تجلت فيها أخلاق جنود الديمقراطية الأمريكية السيئة في معاملتهم لمعتقلي ومعتقلات سجن أبو غريب. ففي عالم أحادي القطب تسوده أمريكا بدورها كشرطي أكبر يتأكد تعريف نيتشه عن الأخلاق حين قال إنها شجاعة القوي. وكان جورج سوروس (البليونير الأمريكي المجري المولد) قد علق على صور الانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون العراقيون في سجن أبو غريب أنها لم تكن مجرد بضع تفاحات فاسدة لكنها كانت طريقة عمل تسامحت معها السلطات بل شجعت عليها، ومضى سوروس يقول: (نزعم أننا محررون إلا أننا انقلبنا إلى طغاة) وكما أردف قائلاً: انه لا يتعين على الولايات المتحدة محاربة الارهاب بخلق ضحايا جدد مضيفاً أنه (بالانسحاق أمام الخوف فإننا نطرح نفس عطاء الارهابيين. اننا نطلق دائرة شريرة من العنف. إذا مضينا في هذا الطريق ربما نجد أنفسنا في حالة حرب دائمة).
وكان المخرج مايكل مور قد أهدى الجائزة إلى الشعب العراقي وكل أولئك الذين يعانون بسبب الولايات المتحدة الأمريكية على حد قوله. وكان قد حاول البعض تصوير أن منح الجائزة الأولى لفيلم مور هي سياسة انتقام فرنسي من السياسة الأمريكية في العالم، ولكن دحض هذه الفكرة كان جلياً بوجود أربعة أعضاء أمريكيين ضمن التسعة أعضاء في لجنة تحكيم الجائزة ورئيس اللجنة الأمريكي كينتين نارانتيونو. ورغم محاولات البيت الأبيض ممارسة نفوذه لمنع توزيع الفيلم في أمريكا قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة إلا أن نجاح هذا الفيلم وتوزيعه في أمريكا سيطبق على ادارة الرئيس بوش.
لقد عطلت ايديولوجية ادارة الرئيس بوش عجلة السلام العالمي فبات المواطن العراقي والأفغاني مرتبكاً في مراقبة حاضره في ضوء مستقبله أم ظلال ماضيه، وفي تغاضي الولايات المتحدة الأمريكية عن ممارسات شارون القمعية والهمجية في فلسطين باتت الديمقراطية اليهودية قرصاناً آخر ينهب حقوق الفلسطينيين دون رحمة فمنذ الانتفاضة وحتى تاريخنا هذا دمرت القوات الإسرائيلية أكثر من 1300 منزل فلسطيني وشردت أكثر من 11 ألف فلسطيني مما حدا حتى بوزير القضاء الاسرائيلي يوسف لبيد أن يقول -حين رأى صور عجوز فلسطينية تبحث عن أغراضها تحت أنقاض منزلها الذي دمرته قوات الاحتلال الاسرائيلي في رفح جنوب قطاع غزة- (ان هذه العجوز قد ذكرته بجدته التي عانت من ملاحقة النازيين لليهود) وتدارك زعيم حزب شينوي العلماني نفسه مستطرداً: (لست أشبه اسرائيل بالنازيين لكني أعبر عن توارد أفكار خطرت على بالي عندما رأيت هذه المشاهد) وقد أثارت تصريحات الوزير موجة انتقادات عارمة حيث طالبه رئيس الوزراء ووزير المالية بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية سيلفان شالوم بالتراجع عن تصريحاته.
لقد تبلورت استراتيجية أمريكا في العالم عامة وفي الشرق الأوسط خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وهجمات 9/11 في دعم تفرد واشنطن بالهيمنة على العالم وادارة الصراعات والنزاعات والمحافظة على المصالح الحيوية الأمريكية ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط بالجمع بين الحضور العسكري المباشر والمساعي الوقائية في طرح المبادرات لتغيير النظم والشعوب وذلك كله في محاولة أمريكا عدم ارتداء ديمقراطيتها لباس المصالح الأنانية والتستر وراء قيم ورسالات عالمية كنشر الديمقراطية وتنمية حقوق الإنسان وذلك بمغازلة توق الجماهير العربية إلى الحرية والتنمية الاقتصادية.
أن تكون امبراطوراً لا ينفي ذلك عنك تهمة القرصنة وخصوصاً عندما تكون أنانياً حيث يحكى أنه في عهد الاسكندر المقدوني حين ألقى القبض على قرصان وبدأ يوبخه قائلاً: كيف تنهب وتزعج البحر؟ وكان رد القرصان أنا أنهب بسفينة صغيرة فأسمى قرصاناً وأنت تنهب شعوباً بأساطيل فتسمى إمبراطوراً.
|