Thursday 3rd June,200411571العددالخميس 15 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

ليرحمك الله يا جاري العزيز!! ليرحمك الله يا جاري العزيز!!
تركي العسيري /بيشة

هأنذا أعود إلى صوابي فأرثيك يا (أبا ناصر).. فقد كان رحيلك صدمة زلزلت كياني، وأفقدتني القدرة على التحمل، وكيف لانسان مثلي أن يتحمل فقدك ايها الجار النبيل الذي لم أرَ منه خلال ثلاثة عشر عاماً قضيتها جاراً مجاوراً إلا ما يسرني ويفرحني، ويدفع الضيم عني.
يعزيني إذا تنكرت لي الدنيا.. يخفف آلامي، ويداوي أحزاني.
وأشهد (يا أبا ناصر).. أنك كنت نموذجاً يحتذى للمسلم الحق، والداعية الواعي والجار المحب لجيرانه.
ما رأيتك رغم أوجاعك إلا مبتسماً محتسباً متفائلاً.
ما سمعتك وأنت تدعو الناس فوق المنابر إلا داعيا إلى الحق والفضيلة بوعي وإدراك وبلغة يفهمها الجميع.
وأشهد أيها الجار العزيز.. أنني ما رأيت في حياتي وقد دلفت إلى بوابة الكهولة رجلاً كريماً محباً للضيوف مثلك.. فلا يكاد مضي يوم أو اسبوع دون أن تدعونا إلى منزلك العامر.. حتى لقد بتنا نعرف حضورك وغيبتك من خلال ضيوفك الكثر.
وأشهد أيها الجار النبيل.. أنني ما رأيت أنا واسرتي جاراً مثلك يحنو علينا، ويسأل عن أحوالنا، ويتحسس أوجاعنا، ويشاركنا أفراحنا واتراحنا.. ولا زلت أذكر حين زوّجتُ ابنتي البكر كيف أصررت وبإلحاح على أن تدفع للمأذون (500) ريال.. ولما عاتبتك.. قلت لي: إن (ريم) ابنتي!!
وكنتَ ليلتها الشاهد، والمرحب بالضيوف.
ولا زلت أذكر أبياتك - وأنت الشاعر المطبوع - التي كتبتها حين رزقت يا بني (حاتم) والذي تمنيت أن يكون كاسمه (حاتم الطائي)، وهيهات.. ليته يكون مثلك يا حاتم الطائي الجنوبي!!
ما ألمت بي نائبة من نوائب الدنيا إلا كنت بجانبي تواسيني، وتعزيني، وتحمل الهمّ عني.
لله أنت من رجل.. ما عرفت مثله قط!
كيف لي أن أنساك.. وقد زرعت في وجداننا غابة من الحب والنبل والعطاء ها أنت يا (حامد عبدالمحسن الطفيل) تموت كما يموت الكرام.. لم تشكُ، ولم تتألم، كنت تستقبل الموت كما يليق بالمؤمنين الحقيقيين أن يستقبلوه برضا تام، وإيمان بالقدر المحتوم.
وحين كنت تعاني في المستشفى، لم أكن احتمل رؤيتك وأنت دون حراك، دون أن تعطر مجلسنا بحديثك الشهي.
وأعرف أن البعض قد لامني، ولكنهم لا يعرفون أن قلبي الرقيق لا يحتمل أن يراك في غير ما يحب أن يراك.
لقد كنتَ من (فصيلة) الجيران النادرين الذين نقرأ عنهم في الكتب..
تحنو على أطفالي، تسأل عن اسرتي فرداً فرداً.. من أين لي جار مثلك وقد عزَّ وجود الجيران النبلاء في هذا الزمن الذي لا يعرف الجار جاره.
أذكر يا أبا ناصر كيف أمسكت لي ذات يوم بعد صلاة الفجر، ورحت تشحذ همتي وأنا العبد المقصر وتطلب مني أن أدع الكسل وتقول بعدها:
والله اني لادعو لك في الصلاة!!
لله ما أعظمك!
من أيّ شريحة من البشر أنت؟
تدعو لي؟.. وأنا الذي أنسى أن ادعو لنفسي!
كنتَ داعيةً حقيقياً، متسامحاً، وسطياً، تحسن الظن بالناس، غير متناقض مع نفسه. أذكر عندما طلب مني أحد الذين تشرفوا بالسكن في (عمارته) أن اتوسط لديه لادخال (دش) ليتسلى به هو وزوجته، وحين قلت له ذلك.. كانت إجابته:
ولكن كيف أعظ الناس وأبين لهم خطورة الفضائيات ثم اسمح به في عمارتي؟
ها أنا أرثيك (يا أبا ناصر) وحقيق أن يكون الرثاء لي في فقدانك، ولست أدري كيف بي أن أدلف إلى منزلك وقد رحلت، ولم أعد أراك تستقبلني باسماً، مرحبا.. تلقي عليَّ قصائدك، وتطلب مني رأيي فيها.
لقد فقدتك (بيشة) كلها، وفقدك ابناؤك ومحبوك...
وفقد جيرانك الذين كنت عمود خيمتهم، وعطر مجالسهم.
عطَّر الله قبرك.. وجعله روضة من رياض الجنة.
وأنزلك في الآخرة مع الصديقين والشهداء..
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.

فاكس 076221413


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved