منظر الجثث المتجاورة لشهداء مخيم رفح، تهدم القلب والأحلام وتعلمنا أن هذا العالم من حولنا مقبل على مرحلة من الهباء والدمار والموت، كم بيت اغتيل وكم أسرة شرخت؟ وكم... لا أريد أن أستمر فالكلام يعيد كل المرارات إلى حلقي، ولكنني امتلك يقيناً بأن القضية الفلسطينية تعرضت للمزايدات والاستهلاك والتخفي خلف أستارها بشكل لم تتعرض له قضية حقوق وشعب ومصير عبر التاريخ، إلى الدرجة التي تجعل الرئيس بوش يتسنم المنبر ويقول بصدغ بارد (لن تعلن الدولة الفلسطينية الآن).
كل مواكب الشهداء والنزيف في الشهداء والأموال والتوتر والغليان في المنطقة لنصل إلى هذا الدمار الذي لا يوازيه سوى دمار منازل الفلسطينيين أنفسهم.
عندما بدأت الانتفاضة عام 87 بدأت عبر أطفال الحجارة وعبر تظاهرات سلمية أسرت قلوب العالم، وصنعت مناخاً عالمياً متعاطفاً مع القضية الفلسطينية التي اتخذت لها الخط السلمي للتعبير عن عدالتها، هذا المناخ هو بالتحديد الذي صنع الدولة الفلسطينية هناك مع وعود كبيرة بالدعم المادي والمعنوي من الدول الكبرى التي تترقب لحالة سلام عالمية، واليوم بالله عليكم من الذي يبالي بالقضية الفلسطينية؟ من الذي يكترث (بشارون) وهو يدحرج كرشه ملتهماً أجساد الأطفال والشبان؟ الذي حاول أن يجر الوجود الفلسطيني في فلسطين إلى المواجهة المسلحة، هو المسؤول الأول عن فناء هذا الشعب وتساقطه يوما إثر الآخر، في مقابلة أخيرة مع محمود عباس (أبو مازن) الذي أعتقد أنه الرجل الوحيد الذي يمتلك حساً واقعياً في السلطة هناك، قال ببساطة (الذي يلوح للشعب الفلسطيني بالحل العسكري ويموله بالأسلحة يريد أن يفنيه، والذي يعرف غير أمريكا كقطب وحيد للقوة في المنطقة فهو كاذب، والذي يدخل الشعب الفلسطيني في مزايداته وطموحاته السياسية يقود المنطقة إلى حلقة لا متناهية من العنف والتوتر والدمار) يبدو ألا أحد يستمع إلى هذا الرجل أو تحديداً ليس من مصلحة البعض الاستماع إليه، والجميع جاهز بتهم الخيانة والعمالة والامبريالية والصهيونية والعلمانية... إلى آخر القائمة التي تسد حلوقنا بكومة غبار.
|