لابد أن يكون للعامل شكاوى شخصية بين الحين والآخر جراء تعاملات غير مشجعة مع الآخرين، ورغم سهولة تجاهل تلك التذمرات مؤقتاً لما تبدو فيه أحيانا من مضيعة للوقت وتافهة محتواها، فلا ينظر في أمرها، إلا أن من الخطأ أن نفترض أن كل عامل يشتكي من أمر يفسر بأنه شخص يكره ويمقت الإدارة التي يعمل فيها فلا شيء يجافي الحقيقة مثل هذا الافتراض، لأن معظم الموظفين لا يستقلون من وظائفهم بسبب المشكلات اليومية التي تواجههم، بل عادة لعدم استماع إدارتهم لشكواهم، أو الاستجابة لمطالبهم، الأمر الذي يعني للعمال بوضوح مدى قلة الاهتمام بهم، وعدم الاكتراث لمستقبلهم، ولا غرابة فهم في حاجة إلى من يشعرهم بأنهم جزء من كل، وإلى من يعطيهم الأمان والاطمئنان، خاصة عندما تتجاهل بعض الدور الاعتبار بمرئياتهم البناءة ومقترحاتهم التعاونية حول طقوس العمل أو الرواتب، وغالبا ما يطلب من العامل أن يؤدي عمله اليومي في صمت مطبق، فليس له حق خيار من قريب أو بعيد في المشاركة بقرارات الإنتاج أو التسويق أو التطوير.. ومن ثم كانت معاناته الصامتة أشبه بحامض قلوي كيماوي شديد التركيز يخفض حجم طاقته الإنتاجية وتثبط هممه وإحباط ذاته، ولو قدر لتلك الدور أن تفعل عكس ما تقوم به من رفض مشاركة عمالها لوجدت من الممكن أن يقدم العامل المتذمر خدمة جليلة لها، وذلك بإطلاعها مباشرة، وباستمرار على الوضع الوظيفي، ولو تمكنت أيضا من إيجاد الحلول المناسبة التي على ضوئها ربما تقود إلى مزيد من البذل والعطاء بدلا من الخوف في المشاركة والخوف من الفصل، فالتذمر ليس شيئا دائماً سيئا، لأنه في الحقيقة لا يمثل سوى نسبة بسيطة من نسب الشكاوى الكلية الوافدة، التي قد تتراوح بين طلب الحصول على كرسي مريح، إلى الشكوى من خط إنتاج سريع لدرجة مهلكة، أو إلى تذمر ناتج عن وضع رجل غير مناسب في مكان غير مناسب، فإذا ما وضعت موظفا عالي التأهيل والكفاءة في وظائف دنيا متواضعة، فسوف يكون لدينا قليل من الموظفين الراضين عنه، وكثير من الشكاوي التي يتحول فيها التعاون إلى همسات وإلى دسائس لا تخدم مصلحة العمل، وبالمقابل أيضا لا نضع أشخاصا غير مؤهلين في وظائف حساسة، فهؤلاء لن يستطيعوا مهما بذلوا من جهد، ومهما تلقوا من تدريب أداء العمل بصورة مرضية مقبولة، فاختلاف طبائع الأفراد الفطرية داخل أقسام العمل يؤدي إلىعلاقات سلبية يصعب معالجتها، لما تتضمن تزمرين من طرفين مختلفين يمثل كل طرف فيه وجهة نظرلا يمكن التنازل عنها.
|