رغم ما رافق عملية اختيار الرئيس الجديد للعراق ورئيس وزرائه من مساومات وتكهُّنات انشغل بها العراقيون وجيرانه طوال الأيام الثلاثة الماضية، إلاّ أنّ النهاية وإن لم تكن ترضي الجميع، إلاّ أنها النهاية الأفضل، وتُعدُّ متوافقة لمصلحة العراق دون النظر إلى مصلحة الأفراد أو الجماعات، ويمكن اعتبار النتيجة التي آل إليها تشكيل السُّلطة المؤقتة أسلوباً وأرضية ستكون مقياساً للفترة المقبلة، ومنها تثبيت قواعد يعتبرها العراقيون سلبية، إلاّ أنّها أصبحت واقعاً سياسياً قد تغيِّره صناديق الانتخابات، فالعراقيون يرون في (القسمة الطائفية) أسلوباً ممقوتاً وعودة للوراء في الفكر السياسي المعاصر.. وهذه القسمة ستحرم العراق من الكفاءات السياسية والقيادية لأنّ الانتماء للمذهب أو العرق هو المقدم على الكفاءة، وهذا ما تم في اختيارات السُّلطة العراقية.
ولكن مع هذا جاء الاختيار أفضل ما يمكن تحقيقه في ظل المرحلة الحالية التي يمر بها العراق..
فبالنسبة للأشخاص المختارين بدءاً من الرئيس الشيخ غازي عجيل الياور، الذي ينتمي إلى عائلة وطنية عريقة، فوالده الشيخ عجيل الياور شيخ قبيلة شمر الكبيرة التي يمتدُّ نفوذها على طول المنطقة الشمالية في العراق ومنطقة الجزيرة المحادّة للحدود العراقية مع الأردن وسوريا والمملكة العربية السعودية، وفي وسط العراق للقبيلة وجود كبير في محافظات الوسط وبالذات في النجف وكربلاء ،وعشائر شمر لها قوة حقيقية في هاتين المحافظتين وهي ميزة أخرى تضاف إلى قبيلة شمر التي يقيم بعض أفخاذها واستقروا في هاتين المحافظتين الشيعيتين، كما أنّ لشمر امتداداً في محافظات البصرة والديوانية والسماوة (المثنى) والناصرية التي ينتمي سكانها إلى قبائل المنتفك أحد أهم أفخاذ قبيلة شمر، ومن المنتفك من الذين أقاموا واستقروا في الناصرية وسوق الشيوخ والشطره والرفاعي، هذا النفوذ القبلي لغازي الياور يعززه حضور وطني قوي لعائلته التي تميز رجالها بوقوفهم الصّلب في وجه تعنّت القادة السياسيين العراقيين من أيام نوري السعيد مروراً بعبد الكريم قاسم ووصولاً إلى صدام حسين الذي أعدم بعضاً من رجالاتهم.
هذا بالنسبة لابن الياور أما رئيس الحكومة الدكتور أياد علاوي فهو إن صح التعبير (وريث) للتوجه العربي القومي في العراق، فبالإضافة إلى أن الرجل كان أحد قادة حزب البعث الذين اختلفوا مع صدام حسين واضطر الى الهروب الى خارج العراق بعد أن تعرّض إلى أكثر من محاولة اغتيال، وعمل على تكوين جبهة كبيرة من المعارضين اعتمدت في بداية الأمر على البعثيين المنشقين حملت اسم (حركة الوفاق) حيث تُعد هذه الحركة هي والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة (الشيعيان) والحزبان الكرديان برئاسة البرزاني والطالباني هي المكونات الأساسية للمعارضة العراقية الحقيقية التي كانت النواة والقواعد التي استندت إليها التحركات فيما بعد في إسقاط نظام صدام حسين.
إذن اياد علاوي أحد أهم مهندسي تغيير النظام، وله نظرة يتميز بها تعتمد على عدم اتباع سياسة الإقصاء والانتقام من العراقيين الذين فُرض عليهم العمل مع النظام السابق، ولذا فهو يسعى إلى رد الاعتبار إلى البعثيين الذين لم يتورطوا في الأعمال الإجرامية التي ارتكبها أزلام النظام السابق، ولعل هذا التوجه سيساعده كثيراً على إعادة الأمن والاستقرار للعراق من خلال استيعاب العسكريين ورجال الأمن السابقين.
|