Thursday 3rd June,200411571العددالخميس 15 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

أراد أن يكون الشاعر .. أراد أن يكون الشاعر ..
أحمد علي آل مريع(**)

تذكرتُ، حين بلغني نعي الأستاذ حسن عبدالله القرشي - رحمه الله - أمنيته الكبيرة في صباه، التي صدر بها سيرته الفنية الماتعة: (تجربتي الشعرية) حيث جاء فيها:
(فتحت عيني على عالم الشعر، هذا العالم السحري في شوق فارط، ونشوة مبهورة.. أريد أن أتكلم في المهد، أريد أن أقدم إنتاجا ناضجا ومشحونا بالحيوية والدفق، ولقطات الفن المبتكرة.. أريد أن أكون الشاعر الذي يشار إليه بالبنان.
وقد كان له - رحمه الله - ما تمنى في فترة مبكرة من حياته الشعرية؛ إذ يكفي أن تقرأ له قصيدته التي رثى بها والده؛ حين فجع به وهو صبي يافع لتعلم ما اكتنزته نفسه الشاعرة من ملكة سامية، تلك الأمنية لو تأملناها جيدا لوجدناها تتمحور حول مسألة (النبوغ) في معارض الفن الشعري والبيان، وهو أمل غير يسير!! وهنا أخذت أسترجع السيرة والمسيرة للراحل الكريم؛ فوجدته (كان أكثر) مما تمنى، وليس كل امرئ يدرك كل ما يتمناه، فضلا عن أن يحقق أكبر مما أمله في أول عهده بالكتابة والشعر، ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء.
وحتما أن وراء هذا النبوغ عمل وجهد، يصقل الموهبة ويشحذ القريحة، وقبل هذا وذاك هم يحمله الإنسان بين جنبيه يسمو بالموهبة ويوجهها الوجهة النافعة، وقد تجاوزت دواوينه الشعرية (15ديوانا) بحسب الذاكرة، ومنها: (البسمات الملونة 1349هـ) وهو ديوان الشعري الأول، و(موكب الذكريات) و(الأمس الضائع) و(سوزان)، و(ألحان منتحرة)، و(النغم الأزرق)، و(نداء البعاد)، و(بحيرة الطقس)، و(فلسطين وكبرياء الجرح)، و(زخارف فوق أطلال عصر المجون)، و(عندما تحترق القناديل)، و(رحيل القوافل القتالة)، و(أطياف من رماد القرية)... الخ. وكان في شعره يجسد هموم الإنسان والوطن والأمة، دون أن ينسى ذاته المرهفة، أو يتشاغل عنها.
وقد ترك لنفسه الشاعرة حرية الانطلاق في مجال التجريب؛ فكما كتب الشعر الموزون المقفى التقليدي(العمودي) كتب بإجادة الشعر التفعيلي، بل إنه يعد أحد رواده الواثقين في المملكة.
ولم تتوقف مشاركاته عند حدود الشعر، فله بالإضافة إلى دواوينه الكثيرة سيرة مميزة، خفيفة الظل، عالج فيها الجانب الشاعري في شخصيته، وسماها: (تجربتي الشعرية)، وله أيضا مجموعتان قصصيتان على ما أذكر، وأنا أكتب هذه الأسطر بعيدا عن مكتبتي الآن، وهما: (أنات الساقية) و(حب في الظلام)، هذا غير الدراسات والمؤلفات مثل (فارس بني عبس)، و(أنا والناس).
وكان رحمه الله مثقفا ووطنياً صادقاً، وإنساناً مرهفاً، شغل عدة وظائف رسمية مرموقة، ومثل المملكة العربية السعودية خارجيا في مناسبات أدبية وثقافية عديدة، وإن كانت عزلته سببا في بعده عن مخالطة الناس إلا أنها كانت عزلة حميدة، لأنها فتحت له آفاقا أخرى من المشاركة الفكرية، والتأمل الطويل، والمساهمة في المسار الإبداعي والثقافي مساهمة الرواد.
نال القرشي قدرا طيبا من التقدير، وإن كان ما يستحقه لموهبته ووعيه وإسهاماته الكثيرة أكبر من هذا وأجل، فقد منح الدكتوراه الفخرية من جامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، وترجمت أشعاره إلى لغات كثيرة، وعني بدراسته عدد من المعنيين بالأدب السعودي.
فما تكاد تجد كتابا يعرض للأدب السعودي إلا وللقرشي نصيب فيه، هذا - بطبيعة الحال - غير الدراسات المعمقة المستقلة التي تباشر نتاجه وريادته وإسهامه الثري بالدرس: تأريخا وتحليلا؛ ومن أجودها دراسة مخطوطة لأخينا الفاضل الأستاذ يحيى بن أحمد الزهراني، وكيل الشؤون التعليمية في كلية المعلمين بالقنفذة، تقدم بها عام 1419هـ إلى جامعة أم القرى بمكة المكرمة، نال بموجبها درجة الماجستير في الأدب والنقد بتقدير عالٍ، أرجو أن يوفق إلى التعجيل بتقديمها للقراء.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.

(**) كاتب وأكاديمي سعودي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved