Thursday 3rd June,200411571العددالخميس 15 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

رسائل.. من القاع الغربي تطرح السؤال الكبير 1-2 رسائل.. من القاع الغربي تطرح السؤال الكبير 1-2
لبنى وجدي الطحلاوي(**)

مع الكم الهائل من الفضائيات العربية ومع الكم الهائل من البرامج المكررة التي (يتبناها الإعلام العربي) والتي تفرض على المشاهد العربي والتي جميعها تشترك في (مضمون محدد) وفي تمرير رسائل معينة وترويجها للشباب العربي بل وترسيخ محتواها بشتى السبل وبكل أنواع الجذب والمغريات.. لا أريد أن أتحدث عن برنامج بعينه ولا عن قناة فضائية بعينها, فللأسف نحن بذكر الأسماء نساهم في الترويج لهم...
وجميع تلك الرسائل تحمل في مضمونها المريض كل ما يهدم القيم والمثل العليا في أي مجتمع وكل ما يسخر من العفة ومن الحياء...
فما يتم ترسيخه وبكل قوة وبشكل متواصل وبدون انقطاع ويحظى دائما بكل سخاء وكرم الممولين العرب هو ان أهم متطلبات العصر الحالي هو الثروة والشهرة, وأهم المقومات لدى الفتاة لتحقيق ذلك هو اعتمادها على جمالها وجسدها, وان لم تكن جميلة فلا مشكلة, المهم ان يتوافر لديها (هذا النوع من الطموح والاستعداد) فهناك عمليات التجميل والسيليكون يجعلان منها مانيكان جميلة ولتنسى صورتها السابقة كما نسيتها العديد من الفنانات اللاتي خضعن لسلسلة طويلة من عمليات التجميل... وما أكثرهن..
وعلى الفتاة أن تنحي الدين جانبا وتتخلى عن الخجل والحياء اللذين يعيقان طموحها ووصولها إلى الشهرة والثروة.. فالإعلام العربي الدؤوب لا يتوانى لحظة واحدة من التركيز على هذا النصح وبكل الطرق والوسائل... فالغالبية العظمى من النماذج التي تظهر على الشاشات ويتم تكريمها تخضع لتلك المعايير الأخلاقية والجمالية والجسدية.. والحجج التي يحاول تبريرها البعض من القائمين على تلك الرسائل الإعلامية الخطيرة, هو محاولتهم الرقي والنهوض بالمجتمعات العربية!!!
فهم ينقلون إلينا أبشع ما في المجتمعات الغربية, ويريدون من مجتمعاتنا ان تبدأ من القاع... من قمة الانحدار والانحطاط الغربي.
فلماذا لا يتبنى الإعلام العربي رسائل أخرى من المجتمعات الغربية تكون أكثر سموا للنهوض والرقي بمجتمعاتنا ويطرحها بنفس الحماس والمثابرة..؟ ولو كان أبناء الغرب جميعهم متفرغين لما ترسخه القنوات العربية في ذهن المشاهد العربي ليحذوا حذوه, لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه ولما حققوا ما حققوا.. فهناك الكثير من الايجابيات في المجتمعات الغربية لماذا نتجاهلها كلها وتنحدر إلى القاع لنبث منه تلك الرسائل المدمرة لكل القيم والمثل العليا والتي تساهم في انحطاطنا كليا, فالمجتمعات الغربية حققت تنمية ونهضة وتقدما علميا وتكنولوجيا مذهلا, ومصانعها تعمل ليل نهار واقتصادياتها ضخمة, فاسبانيا التي يعد اقتصادها من أضعف اقتصاديات دول أوروبا, يعادل اقتصادها, اقتصاديات الدول العربية مجتمعة.. أليست هذه مأساة؟ وعالمنا العربي والإسلامي يمتلك 70% من ثروة العالم, بينما الدول العربية تستورد كل شيء من الإبرة إلى الطائرة كما يقال, لدينا جميع المواد الخام والمواد الغذائية ولدينا طاقة بشرية هائلة, لماذا لا نصبح دولا صناعية منتجة ومصدرة؟؟
ألم يطلع هؤلاء على تقرير التنمية الأخير للعالم العربي, ليروا بأي سرعة تنحدر وفي جميع الاتجاهات.. ألم يعد للضمير مكان؟ فمع مشاكل الفقر والأمية والبطالة في عالمنا العربي والأداء الاقتصادي المخجل ومعدلات التنمية التي يرثى لها, هناك من يحول طاقات شباب هذه الأمة إلى مزيد من الهدم والدمار حتى نضمن تخلفنا إلى الأبد...
فإن كان إلا ولا بد من فرض النماذج الغربية على شعوبنا, فلماذا لا نطرح نماذج لمخترعين ولمبدعين في سن الشباب, ونتناول قص كفاح لبعض الشباب الغربي الذين حققوا ذاتهم وخدموا مجتمعهم, لماذا لانطرح نماذج وقصص حياة من حققوا الكثير لخدمة البشرية وبدأوا من الصفر مثل بيل غيت مثلا, الذي حصل على تعليم متواضع للغاية, وكان حلمه وهو شاب ان يطور الشبكة العنكبوتية ويجعلها في متناول الجميع ويحول العالم أجمع إلى قرية مترابطة, لماذا لا نستعرض قصة كفاحه التي جعلته أغنى رجل في العالم, وعلى الجانب الإنساني في شخصيته فهو يقدم تبرعا ماليا سنويا من ماله الخاص يبلغ مائة مليون دولار من أجل توفير المصل اللازم لأطفال العالم لحمايتهم من الأمراض المعدية والأوبئة وإنقاذهم من الموت والذي تقوم به هيئة اليونسكو وأكثر المستفيدين من ذلك هم أطفال القارة الأفريقية الذين يعانون المرض والموت أكثر من أي أطفال في العالم.
لماذا لا نطرح أفلاما وثائقية تتضمن نماذج ايجابية تعكس ايجابيات المجتمعات الغربية ليتعلم منها ويحذو حذوها شبابنا, إن الفرد في الغرب الوقت لديه من ذهب, والعمل لديه مقدس ولا يقبل أي شاب أو شابة مهما كان ثراء أبيه أو أسرته أن يظل عالة على أبويه وأن يطالبهما بمصروف يومي ويحملهما جميع المصاريف التي تتطلبها احتياجاتهم, والعطلات الدراسية دائماً تستثمر للقيام بأعمال مهما كانت بسيطة للحصول على مقابل مادي, ودائماً يتفانون في عملهم وينفقون ما يقومون به ويقومون بكل شيء على وجه الدقة لأنهم يحبون العمل ويستمتعون بما ينجزوه, يتمتعون بالنشاط الدائم ويكرهون الكسل والتواكل على الغير, لديهم إحساس بالمسؤولية ومقدرة فائقة في الاعتماد على النفس, فعندما زار الإمام الشيخ محمد عبده -رحمه الله- بعض دول الغرب ورأى ما رأى من الايجابيات التي سرت نفسه وشرحت صدره قال مقولته الشهيرة: (وجدت إسلاما بلا مسلمين) ثم ذهب لبعض الدول العربية والاسلامية التي وجدها على حال لم يتغير كثيرا إلى يومنا هذا.. بل ربما سارت إلى الأسوأ فقال قوله المأثور: ( وجدت مسلمين بلا إسلام), إن الإسلام ليس فقط شعائر تقام والقرآن الكريم ليس فقط كتاب دين, إنها مدنية حملت إلى العالم تشريعات ربانية ونظام حياة يتضمن منظومة قوانين وتعاليم اخلاقية وسياسية واجتماعية صالحة لكل زمان ومكان فأين نحن من تلك النظم والتعاليم, وكيف للغرب ان يطبق ذلك.. ونحن أصبحنا أبعد ما يكون عنه؟
إننا نأخذ عن الغرب أسوأ ما عنده, ولا ننظر كيف هذا الغرب حقق مكانته في العالم وكيف رفع من اقتصاده وكيف يصدر للعالم كل احتياجاته ويصنع كل شيء ويطور كل شيء وفي كل يوم يشهد تطورا علميا وتكنولوجيا جديدا وفي كافة مجالات الحياة طبية كانت أو تكنولوجية وفي علوم الفضاء وفي الصناعات الخفيفة والثقيلة وفي صناعة السيارات والطائرات وحتى الأسلحة لا يستجدي أحداً... لديه القدرة على صنع كل شيء وحماية أمنه وحفظ كرامته.. لكن القائمين على الفضائيات العربية ومموليها لا يجدون سوى الترويج للمرأة التي أصبحت على الغالبية العظمى من فضائياتهم سلعة للعرض والطلب تباع وتشترى ولها مروجوها, أما الشباب فعليه أن يرقص ويغني أيضاً وإلا ضيع على نفسه الفرصة وعليه يتوقف نجاح أهم الرسائل التي تقدمها الفضائيات العربية... فعليه ان يكون متحمسا ومثابرا ومناضلا من أجل التصويت والتشجيع لفاتنات عمليات التجميل والسيليكون اللاتي يصنعن مستقبل الأمة الواعد..
فهؤلاء من يستحقون التقدير والجوائز والدروع, وهؤلاء من تعلى صورهم فوق صور الحكام والمسؤولين على صفحات الجرائد لأن أخبارهم أهم بكثير من السياسة والاقتصاد والمشكلات الاجتماعية, فهي تتعلق بالشريط الجديد أو بتغيير الشكل أو لون الشعر أو ربما بإحدى المغامرات.. إنهم المثل الأعلى لهذا الجيل وربما للأجيال القادمة!!! ويبقى السؤال الكبير:
-لصالح من هذه الرسائل... التي يتفانى إعلامنا العربي في ترويجها وفرضها على المشاهد وبشتى الطرق وبكل الأساليب والمغريات والتي تجد حماسا وسخاء منقطع النظير من الممولين العرب؟؟؟ولماذا الممولون العرب لا يبحثون لهم عن مشاريع أخرى ليغدقوا عليها وبهذا السخاء.. تكون أكثر نفعا للمجتمع وأكثر نهوضا بالاقتصاد وأكثر إنسانية وأكثر سموا في مضمونها؟؟؟

(**) عضو عامل هيئة الصحفيين السعوديين /عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
ص.ب 4584, جدة: 21421 - فاكس جدة 026066701


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved