عندما كتبت مقالي الأسبوع الماضي عن خطورة استخدام العنف الأسري والإساءة للأطفال من والديهم ودعوت فيه لاتخاذ خطوات عملية لحماية هؤلاء الأبرياء من قسوة أقرب الناس إليهم، لم أكن أعلم، أن هناك مؤتمراً بعنوان ( مؤتمر الإساءة للأطفال) كان ينعقد بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في جدة نظمه قسم طب الأطفال.
وأسفت للتغطية الإعلامية الضعيفة التي لقيها هذا المؤتمر - على أهميته- في الصحافة المحلية، ربما لأن بعض الصحف لم تعلم به (!) ولكن أسفي تضاعف عندما علمت مما نشر أن هذا المؤتمر لم يلق أي دعم من المؤسسات الطبية وشركات الأدوية والشركات التجارية الوطنية الأخرى التي عادة ماترعى مثل هذه المؤتمرات التي تنعقد بمراكز الأبحاث في المستشفيات، وزاد استغرابي ما صرح به الدكتور عبدالله الغامدي المشرف على تنظيم المؤتمر أن رجلاً وامرأتين من جنسيات غربية غير عربية هم الذين تبرعوا بتحمل جزء من تكاليف المؤتمر دعماً منهم لقضية التوعية بخطورة استمرار الإساءة ضد الأطفال..فهل هؤلاء أولى منا في الاهتمام بأطفالنا؟!
إن مؤتمراً بهذه الخطورة والأهمية لا يجد الدعم الكافي ولا الحضور اللائق ولا التغطية الإعلامية التي يستحقها لأمر يثير العجب.
فالاهتمام بالطفل، حمايته والمحافظة عليه وتنشئته نشأة خالية من العقد والنفسية والعاهات الجسمية والذكريات الأليمة مسؤولية كل فرد يعيش في هذا المجتمع، وواجب كل من يهمه مستقبل أبناء هذا المجتمع، فالأطفال هم غرس المستقبل، وإذا كانت الشركات الطبية التي امتنعت عن الدعم بحجة ( حساسية هذه القضية في المجتمع السعودي) فهذه حجة واهية لعدة أسباب أهمها أن المؤتمر عقد في واحدة من أهم وأكبر المنشآت الطبية والبحثية السعودية في حضور علني ومفتوح وتم الرجوع فيه إلى تقارير علمية صادرة من جهات رسمية أهمها دراسة أجراها مركز مكافحة الجريمة التابع لوزارة الداخلية جاء فيه (أن 21 في المائة من الأطفال يتعرضون للإيذاء الجسدي والنفسي بشكل دائم، و45 في المائة منهم يتعرضون للإيذاء بشكل يومي بينما يتعرض 33 في المائة للإيذاء النفسي كما احتل الحرمان بمختلف أنواعه نسبة 66 في المائة، وجاء ترك الطفل مع الخادمة أو مع من يخاف منه وحيداً في المرتبة الأخيرة).
وهذا كله يبطل الحجة التي تعذرت بها شركات الأدوية وغيرها من المؤسسات الطبية التي يفترض أن تعطي الأولوية لدعم هذا المؤتمر حتى ولو لم يكن لها فيه مصالح تجارية تسوق لها أدوية جديدة، فمن المعروف أن شركات الأدوية العالمية ومنها المحلية ترصد نسباً محددة من أرباحها لدعم الأنشطة العلمية الطبية مشاركة منها في خدمة المجتمع بصرف النظر عن أي مردود تجاري مباشر، ولكن للأسف لم تعلم المؤسسات التي امتنعت أنها امتنعت عن خدمة أكبر مشروع استثماري أقصد الاستثمار في الإنسان الذي يصنع المستقبل وهو الطفل، وذلك بتوعية المجتمع بأهمية المحافظة عليه نفسياً وجسدياً وأخلاقياً رغم أنها دعمت مؤتمرات أخرى طبية كثيرة.
وأثناء كتابة المقال اتصلت بالأخ الدكتور عبدالله الغامدي المشرف على تنظيم المؤتمر لأستوثق من بعض المعلومات فأكد لي أن الحضور كان جيداً على عكس ما كتبت بعض الصحف، وصل إلى 150 فرداً (!) وإن كان قد أبدى أسفه وألمه لعدم اكتراث بعض الشخصيات الاجتماعية المهمة التي يفترض حضورها من الذين لهم الدعوة (!) وهذا كله يدل أن الاهتمام بالطفل لم يصل بعد إلى المستوى اللائق به في ( وعي) المجتمع ومؤسساته برغم الجهود العملية والتوعوية التي تقوم بها المؤسسات الرسمية مثل وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات الخيرية وغيرها من المراكز المماثلة.
وهذا كله يقتضي المزيد من التكاتف والتعاون بين كل الجهات التي تتعامل مع الطفل ابتداءً من المستشفيات والجمعيات المختصة بالأطفال ووزارة الشؤون الاجتماعية ولجنة الأسرة بجمعية حقوق الإنسان بل وكل إنسان يشهد حالةً يجد فيها طفلاً يحتاج الرحمة والحماية من العنف والإيذاء في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع.
ومن أهم ما يسر في هذا المؤتمر ما قاله د. طلعت وزنة مدير إدارة الخدمات الطبية بوزارة الشؤون الاجتماعية بأن لدى الوزارة قاضياً من الدرجة الأولى يفصل في قضايا العنف والاعتداء على الأطفال ويتم إجراء فحوص طبية لهم ثم يطبق عليهم وعلى أسرهم برنامج تأهيلي، وأن لدى الوزارة حالياً وحدة خاصة للحماية الاجتماعية تتعلق بالطفل والمرأة وكبار السن.
ولكن هذا كله ليس إلا بدايات لمشروع كبير يهدف إلى حماية الطفل إنسان المستقبل يتحمل مسؤوليته المجتمع بكل أفراده ومؤسساته.
|