التوافق العراقي مطلوب دائما، فيما يتصل بشكل الحكم ومستقبل هذا البلد المثخن بالجراح، فقد واجه العراق الكثير من المحن طوال السنوات الماضية وهو لايزال يئن تحت وقع ضربات يومية وبصورة بشعة من قبل الكثيرين بما في ذلك قوة الاحتلال التي جاءت تحت شعارات فرض الاستقرار وبناء الديموقراطية، واذا بنا نرى الفظائع في السجون، وفي شوارع العراق، واقتحام المنازل والاغتصابات التي تزلزل الكرامة، وتقض مضجع الأمة بالكامل وليس العراقيين وحدهم..
يستحق العراق إذن أن يستقر، وان تؤول الى أبنائه كل اجراءات تسيير شؤونه، ويستطيع العراقيون أن يقنعوا الآخرين أن مستقبل هذا البلد هو شأن خاص بهم، ويتحقق ذلك في جانب منه بإظهارالتوافق وممارسته على أرض الواقع بالطريقة التي تردع أي نوايا للهيمنة من قبل الآخرين ..
وقد شكل تعيين غازي عجيل الياور رئيسا للجمهورية جانباً من تلك الارادة، حيث أصر أعضاء مجلس الحكم على ترشيحهم له رغم عدم قناعة الجانب الأمريكي تماما، فالرجل يطالب برحيل قوات الاحتلال عقب تولي الحكومة المؤقتة مقاليد الحكم.
والياور هو وجه قبلي معروف كونه يمثل أكبر مجموعة قبلية في العراق تضم في امتداداتها الواسعة السنَّة والشيعة معا، غير أن هناك من يرى تراجعاً من خلال اعتماد الاختيار القبلي وما يسمى المحاصصة القبلية، ويرد على هذا الانتقاد من يرى ان القبيلة تشكل حقيقة سياسية في العراق لا يمكن انكارها، وأن توالي الحكومات في العراق يؤكد حقيقة أن نظام الحكم يزول بينما تبقى القبيلة..
لقد أبرزت ملابسات اختيار رئيس الجمهورية نوعا من الارادة العراقية حيث أصر أعضاء مجلس الحكم على غازي الياور ورأى الباجه جيأان يستجيب لهذا الإجماع، وهكذا سحب ترشيحه للمنصب نافيا في ذات الوقت اي مطامع شخصية له، ومؤكدا ان رئيس الجمهورية القادم يجب ان يحظى بأكبر تأييد من قبل الشعب العراقي..
وهكذا فقد عكست هذه الملابسات نوعا من العقلانية ينبغي ان يعمل العراقيون على تكريسها في قادم ايامهم، مع التأكيد على استيعاب كل ألوان الطيف السياسي في العراق لتفادي الحساسيات التي يمكن ان تنشأ، فالعملية الديموقراطية، اذا احسن تناولها، فان من شأنها ابعاد جميع الحساسيات..
وأياً كانت الخيارات العراقية فانه تبقى أهمية ان تستمر قوة الدفع باتجاه الوصول الى الحكم الوطني الخالص، فهناك دائما شبهة ما في أي نظام يحكم تحت بنادق الاحتلال، حتى وان عمد الاحتلال الى التخلص من بعض أبرز أعوانه داخل هيئات الحكم..
|