في مجلس الدكتور عبدالعزيز الخويطر.. وصفت مجلة المعرفة بأنها في أهمية مجلة العربي الكويتية؛ فهي تقوم بنفس الدور التنويري التثقيفي الذي قامت به مجلة العربي في الستينيات الميلادية.. رد ضيف آخر في المجلس بنفي ذلك.. وأنها مجلة طلاب وعلى مستواهم.
استغربت ردة الفعل تلك.. وما كنت لأقول رأيي في مجلس الدكتور عبدالعزيز لو لم أكن واثقاً منه.. ولعل عملي في مجال النشر للأربعة عشر عاماً الماضية يؤهلني لمعرفة كل ما يخص أية إصدار مطبوع.. ومجالات مقارناته الفنية والمهنية والفكرية.
ومازلت عند رأيي في ان مجلة المعرفة بمادتها وإخراجها سيدة المجلات العربية التربوية والثقافية.. وذلك في فئة الإصدارات المتخصصة.. والتي تخاطب أوسع الشرائح المجتمعية.. وليس الإصدارات النخبوية.
مجلة المعرفة صُنِّفَت أنها مجلة مدرسين.. لكنها في الحقيقة هي مجلة كل مثقف ودارس وولي أمر.
ليس كل عالم معلما.. كما انه ليس كل عالم كاتبا.. فأن تكون عالماً وتملك موهبة التعليم.. فقد استطعت ان تحقق الفائدة العظمى من علمك، وان يشارك العشرات أو المئات فيه.. وإنْ كنتَ عالماً كاتباً.. فقد استطعت مشاركة عشرات الآلاف في علمك.. وهنا أهمية الاصدارات الدورية المتخصصة.
المجلات المتخصصة هي الأوعية الحية المتحركة المتفاعلة مع كل ما يهم ذلك التخصص، مهنياً وفكرياً واجتماعياً واقتصادياً.. وتنميةً.
وهي جسر المعرفة والمعلومات المتخصصة حول العالم.. وهي الناشر لأنشطته والمُعرِّف بها.. وهي ميدان الحوار والنقاش.. وتلاقح الأفكار.
لو لم يكن لتلك المجلات المتخصصة سوى أنها صارت منبراً لهؤلاء المبدعين في تخصصهم.. ولديهم القدرة على إخراج ابداعاتهم من صدورهم.. موثقةً بالكتابة.. موسعين بذلك دائرة المستفيدين منهم.. متيحين الفرصة لتراكم المعلومة والتجربة والنتائج.. لكفاها.
كما يكفي تلك المجلات المتخصصة.. أنها تقوم بتحفيز المبدع والمفكر والكاتب والمتخصص او ذي العلاقة.. على ان يشارك.. ويعرض موقفه وتجربته ورأيه وتشخيصه وتحليله ومقترحاته وحلوله.
فالمجلات المتخصصة.. هي المرجع الأسرع والأوسع لكل باحث أو إداري متخصص.. وهي المصدر الاول لكل قارئ للتاريخ محلل له.. ومستفيد منه.
من واقع الممارسة اعلم ان النشر المتخصص يحتاج إلى دعم، وإلا لما قام ولما صار.. فالنشر المتخصص يعاني من اعباء الحياة التي ساعدت على العزوف عن القراءة.. كما يعاني من ضعف التأهيل في المدارس والمعاهد والجامعات.. فليس في برامجها ما يدرب على القراءة والتعوّد عليها والاستفادة منها.. كما يعاني من البريد والتوزيع.. مما أضرَّ بالثقة والمصداقية لدى المشتركين الذين هم قليلون أصلاً.
النشر المتخصص يمكن ان يدير المعرفة.. ويتيح اتصال المهتمين ببعضهم.. ويشارك في تنظيم المهنة.. ويتحول إلى مصدر لأصحاب المهنة.. يوحِّد ويعرِّف باتجاهات القرار في سوق العمل.. ويحتضن اصحاب المهنة.. وينسق بينهم.. سعياً لتحقيق التأثير الإيجابي في مسيرة المهنة اجتماعيا وتنموياً.
مجلة التدريب والتقنية - ومجلة المدير.. مثالان لمجلتين متخصصتين مهمتين في مسار تطوير التنمية الذاتية.. لكل من لايزال يرغب في تطوير ذاته.
تنشط مجلة التدريب والتقنية وتتخصص في التدريب الإداري.. وما كان لها ان تصدر لولا دعم المؤسسة العامة للتعليم الفني.. هذه المجلة -بحق- متميزة في مادتها وإخراجها وطباعتها.. لكني أزعم أنها مجهولة لدى قطاع كامل من الإداريين.. وأن عدداً كبيراً منهم يودون الاطلاع عليها والاشتراك فيها.. لو علموا بها واطلعوا عليها.
أما مجلة المدير فتتخصص في الإدارة العامة وتمتاز بعرض التجارب العالمية.. يقف خلفها الخبير الدكتور إبراهيم المنيف.. وأجزم انه ينفق عليها من جيبه.. لم لا؟.. فعائداتها المادية ليست افضل من عائدات المجلات المتخصصة الأخرى.. فكلها لا تغطي نصف تكلفتها في أفضل الأحوال.
كيف لنا ان ندعم الإصدارات المتخصصة؟ فهذا واجب وطني.. ومن دعائم التنمية الأساسية.. ولابد ان يكون إصدارها وايصالها للشرائح المستهدفة بنداً ثابتاً في النفقات الحكومية.. ونفقات التنمية البشرية في القطاع الخاص.
إن من اقل واجبات الشركات والبنوك والجهات الحكومية.. الاشتراك لكافة منسوبيهم في تلك المجلات المتخصصة.. فهي أولا تثقيف لمواردهم البشرية الوطنية.. التي هي الآن في أمسِّ الحاجة إلى كل ما يدعمها مهنياً وفكرياً.
ختاماً.. إني أطالب مجلة المعرفة ومجلة التدريب والتقنية بأن يكون لهما دور أكبر من النشر.. وإذا كان التعليم هو ما تلتزم به الدولة لجميع المراحل دون الثانوية.. فإن الدولة غير ملزمة للجميع بما فوق ذلك.. وما يختلف عن ذلك كالتدريب.. وهذا يُحمِّل المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني واجباً أكبر نحو المهنة.
مجلة التدريب والتقنية يمكن أن تكون ذراع المؤسسة الممتدة التي تتصل وترعى وتسهل وتنظم وتدير وتجمع وتدرس وتقترح.. كل ما يتصل بعالم تطوير الموارد البشرية.
|