ما هو كائن وما يجب أن يكون
سعود سعد الصعب

السكون يجتاح المكان.. أصوات تقلب الورق من صفحات الكتب هو السائد في مفهوم الصوت.. يتخلله أحيانا اصوات همسات توحي بالاندماج والإبحار في أعماق القراءة الصامتة..
أقف جامداً كتمثال من تماثيل الإغريق.. أحمل كتابا.. أبى شعوري الداخلي أن يجعلني أختار غير هذا الكتاب..
وقع على اذني صوت غليظ.. أفاقني من استغراقي..
- أممممم.. (ما هو كائن.. وما يجب ان يكون).. لا أنصحك بهذا الكتاب..
رفعت عينيي إلى مصدر الصوت.. فإذا بموظف المكتبة يمعن النظر بما أحمل..
- قال: لا انصحك بهذا الكتاب.. فهو غير مرغوب لدى الكثير..
- قلت: لماذا؟
- قال: لا أجد الكثير من الشباب ذكوراً أو إناثاً.. يميلون له.. فهو يحاكي الواقع.. والذي يبحثون عن الهروب منه.
- قلت: وما الذي يميلون لاقتنائه؟
- قال: ابحث.. وسيظهر لك ذلك سريعا..
- قلت: بحثت..
- قال: وماذا وجدت؟
- قلت: وجدت شاباً يبحث عن متعة.. أيا كانت هذه المتعة.. حتى وان كانت مخالفة لفطرته.. فالأهم هو أن تملأ وقت فراغه.. وتضحك شفتيه.
- قال: صحيح..
اكملت قائلاً: ربما الواقع المحيط بهؤلاء الشباب.. هو من جعلهم يبحثون عن كل ماهو جديد..
أو يبحثون عن أي اتجاه يخرجهم من ذلك الظلام المحيط بهم.. متجاهلين تماما ان بالاصرار والعزيمة والارادة الجماعية بإمكاننا ان نجعل ذلك الظلام شمساً تنير سماءنا.. ولكن..
قال: ولكن ماذا؟؟؟
- قلت: ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.. فما يحيط بنا الآن بدأ يأسر الكثير من الذين تسهل السيطرة عليهم.. لأنه وللأسف.. أصبح يظهر لدينا الآن ما يسمى الغزو الفكري.. والذي لايزال الكثير يجهله تمام الجهل.. وربما البعض لا يعترف به أو بوجوده..
قال: الغزو الفكري بإيجاز.. مرض سريع الانتشار والعدوى.. ينتشر غالبا بين المراهقين ومادونهم.. وقد يصيب كبار السن..
قال: وما هي أعراضه..؟
قلت: تفاهة في الاهتمامات.. وضعف في الاختيار.. مع تكون غشاوة كبيرة على العين يجعلها لا تبصر الكثير من الحقائق..
قال: هل تعلم ان هذا الركن الذي أنت فيه من المكتبة ماذا يسمى؟؟ انه يسمى (ركن المعقدين) فإن غالبية الشباب يطلقون هذا الاسم على هذا الركن..
قلت: شر البلية ما يضحك..
قال: ولماذا في نظرك يسمى ركن المعقدين؟
قلت: لأن ظن الشباب ان كل ما يبحث عن صلاحهم بالطريقة السليمة هو من ضمن قائمة المعقدين.. متجاهلين تماما أن الكثير من هؤلاء يقوم بإصلاح ما يفسده الغير.. بالاضافة الى البحث في طرق إصلاحه..
في هذه اللحظة رن جرس هاتفي..
يظهر في الشاشة اسم.. (أبوي)
بعد إذنك.. ألو...
...................................................
أنهيت المكالمة.. واعتذرت لإنهاء المحادثة...
قلبت ذلك الكتاب.. وجدت سعره 8 ريالات.. اندهشت لسعره.. دفعت ذلك المبلغ.. وقبل خروجي من المكتبة.. نظرت الى قسم (الكتب الأكثر مبيعا) وقعت عيناي سريعا على كتاب صغير اسمه.. (أجمل رسائل الجوال) السعر: 35 ريالاً.
ابتسمت ابتسامة بؤس...
قلت في نفسي.. حقا.. شر البلية مايضحك..