هذه البلاد قاعدة الإسلام، وحصن الإيمان, ومعقل الدعوة، القرآن تنزل في عرصاتها، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم بعث من بطاحها، دولة تلتزم بالإسلام، تأخذه في عقيدتها، وترتسمه في تشريعها، وترفعه في رايتها: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) تأخذه أخذ تشريف، وتكليف، شرفها ربها بالولاية على الحرمين الشريفين، وأكرمها وأعزها بخدمتهما ورعايتهما.
وعلى الرغم من جلاء هذه المفاخر، وبروز هذه النعم, وثبات هذه المبادئ، فإن هذه البلاد ليست بدعاً من بلاد العالم ودياره، فهي تبتلى كما يبتلى غيرها في عالم واسع، تقارب وانحصر بتشابك اتصالاته وتنوع مواصلاته، وتعدد وسائل إعلامه وفضائياته وشبكات معلوماته, إنها ليست بمعزل عن العالم، وحادث التفجير الآثم الذي استهدف المبنى الأمني في الرياض نوع من الإجرام القصد منه زعزعة الأمن والقوة والتماسك بين أفراد وحكام هذا البلد الغالي، لأن القوة والتماسك بيننا يزعجان نفوس الطامعين الحاقدين، والاعتماد على الله يرد عنا كيد الكائدين.
ليعلم المتمردون الذين يهدفون للتخريب والإفساد، أن الدولة -حفظها الله- لا تعجز ولا تتساهل في اتخاذ الموقف الصارم الحاسم نحو من يقترف ويروج ويربي أفراداً على هذا الإجرام الممقوت شرعاً وعقلاً.
إن الامتحان الحقيقي، والبراعة الفائقة ليسا في وقوع الحادث العنيف المدمر، فهذا شيء لا يستبعد من شرذمة لا هم لها إلا اتباع الهوى في أي زمان ومكان، وعلى أي شعب أو منطقة، ولكن البراعة والامتحان يكمنان في مواجهة النتائج، وصحة المواقف، وأثر ذلك على الناس والمجتمع، وذلك يحتاج إلى وقفات وتأملات.
الوقفة الأولى: هذا الاعتداء والعدوان والقتل والتدمير والخراب وإزهاق النفوس المحترمة وسفك الدماء المعصومة إجرام، بل حرام لأنه مسلك رخيص فاضح لكل من يحترم آدميته وإنسانيته، فضلاً عن احترام دينه وأمانته.
الوقفة الثانية: العدوان والشذوذ والإجرام، دافعه استبطان، فكر ضال، ورأي شاذ, ومبدأ منحرف في خطوات تائهة, ومفاهيم مغلوطة بمعنى آخر: قبول لناشري الفوضى ومهدري الحقوق ومرخصي الدماء والنفوس، وهذا مما لا ينبغي أن يكون.
الوقفة الثالثة: لقد جمع هؤلاء -والعياذ بالله- بين قتل النفوس المحرمة، وقتل أنفسهم وفي الحديث (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وفي التنزيل الحكيم: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا **وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا} سورة النساء (29-30).
الوقفة الرابعة: لقد ورث العمل الإجرامي عكس مقصود أصحابه، وهذا ملاحظ في التماسك الشرعي والسياسي والاجتماعي في هذا البلد الحبيب، والمجتمع لن يسمح لحفنة من الشاذين أن تملي عليه تغيير مساره أو التشكيك في مبادئه ومسلماته، والناظر المتأمل ليقف هذه الوقفة التي وقفتها الدولة ضد هذا التصرف المشين، والعمل الإجرامي الآثم، لقد وقفت الدولة شعباً وحكومة صفاً واحداً يتقدمها القادة ويتبعهم الشعب يستنكرون هذا العمل، ولا يقبلون فيه أي مسوغ أو مبرر، بل وتبرؤوا من فاعليه، ونحن مؤمنون بربنا متمسكون بديننا مجتمعون حول ولاة أمرنا محافظون على ديارنا، وكلنا بإذن الله حماة للعقيدة حماة للديار، غيورون على الدين غيورون على الحرمات، فيجب على كل من علم بأحد يقوم بأعمال تخريبية أن يبلغ عنه، ولا يجوز التستر عليه، كما أننا جزء من هذا العالم نسهم في بنائه على الحق والعدل، ونحافظ على منجزات الخير فيه لصالح الإنسانية وسلامتها حسب توجيهات شرع ربنا، وهذه البلاد لن تهتز، بإذن الله من أي تهديد أو ابتزاز يحاول النيل من ثوابتها الإسلامية وسياساتها وسيادتها، وأن الدولة -حفظها الله- واثقة من خطوها
ثابتة على نهجها في شجاعة وصبر وحلم وتوازن، وبعد في النظر والرؤية، وهذا الواقع المشاهد.
وختاماً فإننا مطمئنون بإذن الله أن بلادنا موطن المروءة ورجاحة العقل، وأصالة الرأي، والقاعدة الصلبة، في الأمن والاستقرار والثقة، وأن هذه الأعمال المجرمة الآثمة لن تؤثر بإذن الله وحوله وقوته على استقرار بلادنا وازدهارها، فلسنا وحدنا من يتعرض لهذه الأعمال الإرهابية الإجرامية.
ولذا يجب ألا نبالغ في التحليل فنظن أن هذه الفئة الضالة الشاذة قادرة على تقويض أسس مجتمعنا والراسخ من ثوابتنا في ديننا وقيمنا.
كلا بإذن الله مع وجوب التصدي لها والوقوف صفاً واحداً في رفضها ومقاومتها ورد الشاذين إلى جادة الصواب.
ألا فليهنأ أهل الفضل والإصلاح بدينهم في ديار المقدسات ولتهنأ الدولة حفظها الله برجالها الفضلاء والعقلاء ولتطمئن النفوس بإذن الله إلى وعي ولاة الأمور، وتفطنهم في مثل هذه المواقف.
اللهم احفظ علينا ديننا، وأصلح ذات بيننا، وأحسن عاقبتنا، أنت مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
|