عندما انتهت أو قبل ان تنتهي الإجازة ألحّت عليّ الوالدة رحمها الله بالبقاء والبحث عن وظيفة, (بيرزقك الله), وأمام الحاحها لم أعد لوظيفتي في الشرقية مما كان سبباً لفصلي بسبب عدم العودة من الإجازة الذي وضع له النظام الحالي شروطاً تجعل المجاز يفكر ألف مرة في عدم العودة لما سوف يتعرض له من حرمان يأتي في مقدمته عدم التوظيف قبل مضي زمن محدد, وفي الرياض بحثت يمنة ويسرة فلم أوفق, حتى شفع لي لدى إدارة حكومة خدمية مباشرة, وكان العمل بمثابة سكرتير المدير العام, وكان المدير قريباً جداً من الإدارة أو هو ساكن في مؤخرتها, وكان يريد أن نكون قبله حضوراً وبعده انصرافاً. وكان العمل صباحاً حتى الثانية ظهراً ومن الرابعة عصراً إلى ما بعد التاسعة ليلاً, وكان يقع في منتصف الرياض أي قريباً من دخنة, وسكني في شارع عسير أو في أم سليم لا أذكر بالضبط. فاضطررت لشراء دراجة جديدة للذهاب والإياب. وفي ذات مساء كانت الرياض حالكة الظلام عصراً لكثافة السحب والرياح, وأرادت والدتي ألا أذهب ذلك اليوم, ولكن حرصي على العمل ومعرفتي بالجزاء الذي ينتظرني كانا سبباً لعصيان رغبة والدتي, وامتطيت دراجتي وأخذت أسير سيراً بطيئاً فتارة تقذفني الرياح وتارة يقذفني سائقو سيارات التاكسي (أبو ربع) وكنا نطلق هذا المصطلح عليهم لأن الركوب في التاكسي بربع ريال؟! وكنت في وضع لا أحسد عليه, حتى إذا ما انتصفت في الطريق إذا بالرعد يزمجر والبرق يكاد يخطف البصر, وماهي إلا ثوانٍ حتى انهمر المطر بغزارة لم أرَ مثلها, مما أدى إلى انقلابي أكثر من مرة, واتسخت ملابسي بصورة تدعو إلى الخجل, مما اضطرني إلى الرجوع, والغياب قسراً. وفي صبيحة اليوم التالي ذهبت للعمل وناداني المدير وقال (بيتكم أريح لك يا ابني).
|