أعتقد أن من أبرز التصريحات التي كانت تصف حالة الإجراءات الإدارية لدينا هي تلك التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة في سياق تصريحه المتزامن مع انعقاد المؤتمر الذي ناقش الاستثمار في المدينة المنورة وتحدياته المستقبلية. ولعل مثل هذا التصريح يعبر عن واقع المعاناة التي يتكبدها رجل الأعمال الذي يرغب في ضخ أمواله في مجالات الاستثمار الوطني ليواجه بمسيرة معقدة من الإجراءات والتنقلات بين الجهات الحكومية المختلفة يتحكم في بعض مراحلها موظف قد لا يعي أهمية مثل هذه الاستثمارات لصيانة مستقبل الوطن الأمني والاقتصادي والاجتماعي.
فعلى الرغم من تعدد النداءات التي تطالب رأس المال الوطني بالعودة إلى أرض الوطن، وعلى الرغم من حدة المنافسة الإقليمية والعالمية للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من هذه الاستثمارات الوطنية، إلا أننا وللأسف لم نعد بعد قادرين على تقدير أهمية هذه الاستثمارات ولم نعد بعد مؤهلين إدارياً لتحويل اقتصادنا الوطني إلى اقتصاد بلا بيروقراطية إدارية طاردة.
يا سادة.. نحن على يقين بأن الاقتصاد الوطني يتمتع بمزايا جذب متعددة وعلى يقين بأن استغلال مثل هذه المزايا يمثل الأداة الأهم لمواصلة مسيرة التنمية الوطنية، ولكننا نحتاج إلى أن نكون على يقين بأن جذب هذه الاستثمارات يحتاج إلى بيئة إدارية نزيهة تكفل للمستثمر البيئة الاستثمارية المستقرة وتعينه على تجاوز مرحلة الإعداد والاستعداد لبدء مشروعه الاستثماري. لابد أن نعي أننا لسنا الوحيدين الذين لديهم فرص استثمارية يتطلع المستثمر الوطني وغير الوطني إلى استغلالها، وأننا لسنا الوحيدين الذين يسعون إلى تجاذب رأس المال الوطني والأجنبي، وبالتالي علينا أن نكون منافسين ليس فقط على مستوى الفرص الاستثمارية ولكن أيضا على مستوى التعامل الإيجابي مع هذا المستثمر الذي يسعى إلى تدنية التكلفة الاستثمارية ويحرص على استثمار الثانية من الوقت. فإذا كان هذا هو الحال فإن من المنطقي أن ننادي بتغليب الفقه النظامي على النظام المقيد بالنص والحرف والمادة، وأن ننادي بضرورة اختيار الأفراد القادرين على استشعار خطورة تصرفاتهم الفردية وانعكاساتها السلبية على مستقبل التنمية الوطنية. وفي اعتقادي أن هذا لن يتحقق إلا إذا نزل المسؤول المباشر إلى الميدان وفتح قناة اتصال مباشرة مع أصحاب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية شريطة أن يتمتع هذا المسؤول بحساسية شديدة ضد البيروقراطية الإدارية الطاردة.
وفي هذا السياق أجد أن من أولى أولويات المرحلة السرعة في التعامل مع كل منطقة من مناطق المملكة وفقاً لخصوصيتها الاقتصادية ووفقاً لمزاياها النسبية التي يستطيع المستثمر استكشافها متى ما أتيحت له الفرصة ومتى ما بتر حبل البيروقراطية الطاردة. أتمنى أن تترك الفرصة للمسؤولين في المنطقة لتحقيق الاستغلال الأمثل للفرص المتاحة من خلال اتصالاتهم المباشرة وغير المباشرة مع رجال الأعمال والمستثمرين الوطنيين، وأتمنى أن يكون ذلك عاجلاً حتى نتخلص من خاصية الاستهلاك التي ظلت تلازمنا فترة طويلة من الزمن وحتى نستطيع أن نحقق لأجيالنا القادمة اقتصاداً قوياً متنوعاً لا يعتمد على مصدر دخل واحد ولا على مورد واحد من موارد الوطن المتعددة.
|