* دمشق - الجزيرة - عبد الكريم العفنان:
يبدو المشهد العربي بعد القمة العربية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فالقمة نجحت في تأمين استمرار النظام العربي، لكن قدرتها على دعم الدول العربية في مواجهة الاستحقاقات القادمة يبدو ضعيفاً. والمثال الأكثر جلاء هو العقوبات الاقتصادية الأمريكية على سوريا التي جوبهت بالإدانة دون وجود آليات لمحاربتها. بهذا الشكل يبدو الموقف السوري مدعوما برغبات عربية صادقة، وبحد أدنى من القدرة على التعامل مع هذه العقوبات التي ستكون مؤثرة بشكل أو بآخر. فالتصريحات السياسية حول عدم جدواها بدأت تهدأ ليحل بدلا عنها مرحلة من وضع الاستراتيجيات للتخفيف من نتائجها. فسورية تسعى اليوم إلى منع تسرب هذه العقوبات لمجالات أخرى ربما تطال علاقاتها الاقتصادية دولياً.
المواجهة الاقتصادية
ضمن قراءة سريعة لما أصدرته وزارة التجارة الأمريكية، مديرية (الصناعة والأمن)، من تعليمات تنفيذية حول العقوبات فإننا لا نلمس بشكل عام (عقوبات قاسية)، فمنع تصدير طال جميع منتجات الولايات المتحدة إلى سوريا ما عدا الغذاء والدواء، وإذا أخذنا بعين الاعتبار ضعف التجارة السورية n الأمريكية بالعموم، فإن الاستنتاج السريع يوصلنا إلى ان الاقتصاد السوري ربما لا يتأثر.. لكن الأمر أعمق من التأثيرات المباشرة.
وفق ما قالته وزارة التجارة الأمريكية فإن جميع عمليات التصدير وإعادة التصدير إلى سوريا ولجميع المواد (فيما عدا الغذاء والدواء بالإضافة إلى التكنولوجيا)، أصبح بحاجة إلى رخصة خاصة.
فيما ينص القرار صراحة على ان جميع الطلبات لمنح تراخيص بتصدير أو إعادة تصدير إلى سوريا لأي مادة ما عدا (الغذاء والدواء) سوف تقابل بالرفض. بينما يحق لمديرية (الصناعة والأمن)، وفي حالات فردية وبعد دراسة كل حالة على حدة، أن توافق على طلبات الترخيص لتصدير أو إعادة تصدير لسلع ما، في حال تبين ان ذلك ضرورياً، وبالاستناد إلى السلطة الدستورية التي يملكها الرئيس الأمريكي لمتابعة قضايا السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك تصدير وإعادة تصدير السلع اللازمة لأفراد الحكومة الأمريكية المقيمين في الخارج.
أما الاستثناءات التي أصدرها الرئيس الأمريكي فهي إعطاء الصلاحية (لمديرية الصناعة والأمن) أن تدرس أيضاً طلبات الترخيص للسلع التي تدعم نشاطات أو سياسة الحكومة الأمريكية، بالاضافة إلى الأدوية والمعدات الطبية، وقطع التبديل والأجزاء اللازمة لضمان السلامة في الطيران المدني في الطائرات السورية المعدة لنقل الركاب، أو أفراد الحكومة السورية أو رجال الأعمال السوريين، ومعدات الاتصالات والكومبيوترات والبرامج والتكنولوجيا والمواد اللازمة لعمل الأمم المتحدة في سوريا.
وتم تحديد سقف القيمة بالنسبة لقطع تبديل الطائرات، ومعدات السلامة التي يمكن الموافقة عليها بـ 2 مليون دولار ومدة الرخصة 24 شهراً، فيما عدا أدوات الفحص الشامل، وشمل الاستثناء المواد المعلوماتية على شكل كتب وغيرها من المواد الإعلامية، والتكنولوجيا والبرامج الشائعة الاستخدام، بالاضافة إلى السلع المستخدمة في وسائل الإعلام الإخبارية، والسلع المستخدمة من قبل أفراد أو هيئات حكومية أمريكية ،ويصنف هذا القرار في الولايات المتحدة الأمريكية على أنه هام من الناحية الاقتصادية، لأن تأثيره الاقتصادي السنوي يدخل ضمن فئة 100 مليون دولار، ففي العام 2003 بلغت الصادرات الأمريكية إلى سوريا ما عدا الغذاء والدواء حوالي 140 مليون دولار. هذا الشكل الاقتصادي في العقوبات يستند إلى عوامل سياسية تسعى لتوسيعه، فهناك تجميد إيداعات وتدقيق على حسابات المصرف التجاري السوري. وربما تكون المسائل المالية هي الأكثر تعقيداً، لأن أي توسيع لها سيفرض قيوداً كبيرة على العمليات التجارية السورية مع دول العالم.
لذلك فإن تطويق المواجهة الاقتصادية مع الولايات المتحدة هي الاستحقاق الأساسي بالنسبة لدمشق.
سوريا والتوجه الأوروبي
عملياً فإن العرقلة التي شهدها اتفاق الشراكة السوري n الأوروبي هو مؤشر مبدأي على تجليات الموقف السياسي.
والسعي السوري لتعميق العلاقات الاقتصادية مع الأوروبيين خارج الشراكة يبدو الحل الأمثل لتطويق المستجدات بشأن الشراكة.
وتأتي زيارة الرئيس السوري إلى إسبانيا ضمن هذا الإطار، فهي على ما تحمله من معان سياسية، لكنها تصب في اكتساب التأييد للمواقف السورية، وتسريع التعامل مع موضوع الشراكة.
ضمن إطار البدائل الاقتصادية، وعدم السماح للولايات المتحدة باكتساب موالين لها للعقوبات، فإن دمشق تجد أن الموقف الأوروبي لا يزال في صالحها. فرغم ان بريطانيا وألمانيا وهولندا تعارضان انضمامها للشراكة إذا لم توقع على البروتكول الإضافي بشان أسلحة الدمار الشامل. لكن هذه الدول مرتبطة بشكل وثيق مع دمشق بجملة من المشاريع الهامة. ويبدو مستبعدا على المدى المنظور أي أزمة في علاقاتها الاقتصادية معها.
|